للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - سبب آخر يذكره العلماء: أن امرأةً جاءت فوقفت عند باب المسجد في الكوفة لتسأل عن مسألة، فوجدت حماد بن أبي سليمان في حلقة يدرس، وأبو حنيفة في حلقة أُخرى، وأبو حنيفة قد وَهَبَه اللَّه قوةً في البيان وبلاغهًّ، وهذه إنما تأخذ بالألبَاب، وتؤثر في النفوس، فهذه المرأة اتَّجهت إلى هؤلاء، فسألتهم، فلم يجيبوها، ثم تحوَّلت إلى حماد فسألته فأجابها، فنقدت أولئك القوم (١).

لكن الحقيقة أن أبا حنيفة عرض العلوم بين يديه، وأنه لو اشتغل بتدريس الصبيان الصغار، فماذا يحصل في علم الحديث؟ ربما يجرح، ويظل هذا الجرح يتناقله الناس جيلًا بعد جيل، وكلام العُلَماء في قضية الفقهاء الذين يعرفون بـ "مرجئة الفقهاء"، وفي المسألة التي دارت بين ابنه حماد وبين الإمام مالك، وأن ابنه وضح للإمام مالك -رحمهما اللَّه جميعًا- وجهة أبي حنيفة، وأن مالكًا ابتسم في ذلك كالراضي. . . (٢).


(١) أخرجها الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (١٣/ ٣٣٣) إلى زفر بن الهذيل قال: سمعت أبا حنيفة يقول: كنت انظر في الكلام حتى بلغت فيه مبلغًا يشار إليَّ فيه بالأصابع، وكنا نجلس بالقرب من حلقة حماد بن أبي سليمان، فجاءتني امرأة يومًا، فقالت لي: رجل له امرأة أمة، أراد أن يطلقها للسنة، كم يطلقها؟ فلم أدر ما أقول، فأمرتها أن تسأل حمادًا، ثم ترجع تخبرني، فسألته فقال: يطلقها وهي طاهر من الحيض والجماع تطليقة، ثم يتركها حتى تحيض حيضتين، فإذا اغتسلت، فقد حلَّت للأزواج، فرجعت فأخبرتني، فقلت: لا حاجة لي في الكلام، وأخذت نعلي، فجلست إلى حماد، فكنت أسمع مسائله، فأحفظ قوله ثم يعيدها سن الغد فأحفظها، ويخطئ أصحابه، فقال: لا يجلس في صدر الحلقة بحذائي غير أبي حنيفة، فصحبته عشر سنين، ثم نازعتني نفسي الطلب للرئاسة، فأحببت أن أعتزله، وأجلس في حلقةٍ لنفسي. . .
(٢) يُنظر: "مالك بن أنس إمام دار الهجرة" لعبد الحليم الجندي (ص ١٠٨) قال عمر بن حماد بن أبي حنيفة: "أقمت عند مالك مدةً، فلما أردت الرجوع، قلت: لعل بعض الحساد ذكروا جدي عندك على خلاف ما كان عليه، فأذكر لك مذهبه، فإن كان فيه رضاك فذاك، وإلا فعظني: إن الإمام كان لا يخرج أحدًا من الإيمان بذنب، قال: أصاب، قلت: وكان يقول أكثر من هذا، وإن أصاب الفواحش، قال: أصاب، قلت: وكان لا يكفر قاتل النفس، قال: أصاب، فمن قال غير هذا فقد أخطأ =

<<  <  ج: ص:  >  >>