للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوُضُوءِ مِنْهُ إِذَا خَرَجَ مِنْ فَوْقٍ، وَكلَاهُمَا ذَاتٌ وَاحِدَةٌ، وَالفَرْقُ بَيْنَهُمَا اخْتِلَافُ المَخْرَجَيْنِ، فَكَانَ هَذَا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الحُكْمَ لِلْمَخْرَجِ وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الرِّيحَيْنِ مُخْتَلِفَان فِي الصِّفَةِ وَالرَّائِحَةِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَحْتَجُّ بِأَنَّ المَقْصُودَ بِذَلِكَ هُوَ الخَارِجُ النَّجِسُ؛ لِكَوْن النَّجَاسَةِ مُؤَثِّرَةً فِي الطَّهَارَةِ، وَهَذِهِ الطَّهَارَةُ وَإِنْ كَانَتْ طَهَارَةً حُكْمِيَّةً؛ فَإِنَّ فِيهَا شَبَهًا مِنَ الطَّهَارَةِ المَعْنَوِيَّةِ (أَعْنِي: طَهَارَةَ النَّجَسِ)، وَبِحَدِيثِ ثَوْبَانَ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَاءَ فَتَوَضَّأَ" (١)).

وَهَذا حديثٌ لا يثبت عند أهل العلم بالحديث، وليسَ في معناه ما يوجب حكمًا؛ لأنه يحتمل أَنْ يكون وضوؤه هاهنا غسل فمه ومضمضته، وهو أصل لفظ الوضوء في اللغة، وهو مأخوذٌ من الوضاءة.

والنَّظَر يوجب أن الوضوءَ المجمع عليه لا يُنْتقض إلا بسُنَّة ثابتة لا مدفع فيها، أو إجماع ممن تجب الحجة بهم.

(وَبِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (٢) مِنْ إِيجَابِهِمَا الوُضُوءَ مِنَ الرُّعَافِ (٣)، وَبِمَا رُوِيَ مِنْ أَمْرِهِ - صلى الله عليه وسلم - المُسْتَحَاضَةَ بِالوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ (٤)، فَكَانَ المَفْهُومُ مِنْ هَذَا كلّهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الخَارِجَ النَّجِسَ).


(١) أخرج الترمذي (٨٧)، عن معدان بن أبي طلحة، عن أبي الدرداء: أن رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قاء، فتوضأ، فلقيت ثوبان في مسجد دمشق، فذكرتُ ذلك له، فقال: صدق، أنا صببتُ له وضوءَه.
(٢) أخرج مالك في "الموطإ" برواية أبي مصعب الزهري (١/ ٤٢)، عن نافعٍ، أنَّ عبد اللَّه بن عمر كان إذا رعف، انصرف فتوضأ، ثم رَجَع فبنى ولم يتكلم.
(٣) "الرُّعافُ": الدمُ يخرج من الأنف، وقد رَعِفَ الرجلُ يَرْعَفُ وَيرْعُفُ، ورَعُفَ بالضم لغةٌ فيه ضعيفة. انظر: "الصحاح" للجوهري (٤/ ١٣٦٥).
(٤) أخرجه البخاري (٢٢٨)، عن عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا، إنما ذلك عرق، وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فَدَعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدمَ، ثم صلي"، قال: وقال أبي: "ثمَّ تَوضَّئي لكل صلاةٍ حتى يجيء ذلك الوقت".

<<  <  ج: ص:  >  >>