للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَيْفَمَا نَامَ الوُضُوءُ إِلَّا مَنْ نَامَ جَالِسًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ (١):


= فسمعت مَنْ أرضى علمَه بالقرآن يزعم أنها نزلت في القائمين من النوم (قال): وأحسب ما قال كما قال؛ لأن في السنة دليلًا على أن يتوضأ مَنْ قام من نومه أخبرنا سفيان عن الزهري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا استيقظ أحدكم من نومه، فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا، فإنه لا يدري أين باتت يده"، أَخْبَرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا استيقظ أحدكم من نومه، فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه، فإنه لا يدري أين باتت يده"، أخبرنا سفيان قال: أخبرنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا استيقظ أحدكم من منامه، فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا، فإنه لا يدري أين باتت يده"، (قال الشافعي رحمه الله تعالى): فمن نام مضطجعًا، وجب عليه الوضوء؛ لأنه قائمٌ من مضطجع، والنوم غلبة على العقل، فمَنْ غلب على عقله بجنون أو مرض؛ مضطجعًا كان أو غير مضطجع، وجب عليه الوضوء؛ لأنه في أكثر من حال النائم، والنائم يتحرك الشيء فينتبه، وينتبه من غير تحرك الشيء، والمغلوب على عقله بجنون أو غيره يحرك فلا يتحرك، وإذا نام الرجل قاعدًا، فأحب إليَّ له أن يتوضأ (قال): ولا يبين لي أن أوجب عليه الوضوء".
(١) "المبسوط" للسرخسي (١/ ٧٨)؛ حيث قال: "ولا ينقض النوم الوضوء ما دام قائمًا، أو راكعًا، أو ساجدًا، أو قاعدًا، وينقضه مضطجعًا، أو متكئًا، أو على إحدى أليتيه)، أما نوم المضطجع ناقض للوضوء، وفيه وجهان؛ أحدهما: أن عينه حدث بالسنة المروية فيه؛ لأن كونه طاهرًا ثابت بيقين، ولا يُزَال اليقين إلا بيقين مثله، وخروج شيءٍ منه ليس بيقينٍ، فعرفنا أن عينه حدث. والثاني، وهو أن الحدث ما لا يخلو عنه النائم عادة، فيجعل كالموجود حكمًا، فإن نوم المضطجع يستحكم فتسترخي مفاصله، واليه أشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "العينان وكاء السه، فإذا نامت العينان، استطلق الوكاء".
وهو ثابت عادة كالمتيقن به، وكان أبو موسى الأشعري - رضي الله تعالى عنه - يقول: لا ينتقض الوضوء بالنوم مضطجعًا حتى يعلم بخروج شيءٍ منه، وكان إذا نام أجلس عنده مَنْ يحفظه، فإذا انتبه سأله، فإن أخبر بظهور شيء منه، أعاد الوضوء، والمتكئ كالمضطجع؛ لأن مقعده زائل عن الأرض، فأما القاعد إذا نام لم ينتقض وضوؤه. وقال مالك -رحمه الله -: إن طال النوم قاعدًا، انتقض وضوؤه، وحجتنا حديث حذيفة - رضي الله تعالى عنه - قال: "نمت قاعدًا في المسجد حتى وقع ذقني على صدري، فوجدت برد كفٍّ على ظهري، فإذا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: أعليَّ في هذا وضوء؟ فقال: "لا، حتى تضطجع"، ولأن مقعده مستقرٌّ على الأرض، فيأمن =

<<  <  ج: ص:  >  >>