للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا وُضُوءَ إِلَّا عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا. وَأَصْلُ اخْتِلَافِهِمْ فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ اخْتِلَافُ الآثَارِ الوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ هَاهُنَا أَحَادِيثَ يُوجِبُ ظَاهِرُهَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ وُضُوءٌ أَصْلًا؛ كحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَى مَيْمُونَةَ، فَنَامَ عِنْدَهَا حَتَّى سَمِعْنَا غَطِيطَهُ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ" (١)، وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "إِذَا نَعَسَ أَحَدُكمْ فِي الصَّلَاةِ، فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ، فَإِنَّهُ لَعَلَّهُ يَذْهَبُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ رَبَّهُ، فَيَسُبَّ نَفْسَهُ" (٢)، وَمَا رُوِيَ أَيْضًا "أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كانُوا يَنَامُونَ فِي المَسْجِدِ حَتَّى تَخْفِقَ رُؤُوسُهُمْ، ثُمَّ يُصَلُّونَ، وَلَا يَتَوَضَّؤونَ" (٣)، وَكُلُّهَا


= خروج شيءٍ منه، فلا ينتقض وضوؤه كما لو لم يطل نومه، فأما إذا نام قائمًا، أو راكعًا، أو ساجدًا، لم ينتقض وضوؤه عندنا، وعند الشافعي - رضي الله عنه - ينتقض وضوؤه؛ لحديث صفوان بن عسال المرادي قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا إذا كنا سفرًا ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليها إلا من جنابة، لكن من بول، أو غائط، أو نوم"، فهذا دليل على أن النوم حدث إلا أنا خصصنا نوم القاعد من هذا العموم بدليل الإجماع، فبقي ما سواه على أصل القياس، ولأن مقعده زائلٌ عن الأرض في حال نومه، فهو كالمضطجع.
(ولنا) حديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: "لا وضوء على مَنْ نام قائمًا، أو راكعًا، أو ساجدًا، إنما الوضوء على مَنْ نام مضطجعًا، فإنه إذا نام مضطجعًا، استرخت مفاصله"، وهو المعنى، فإن الاستمساك باقٍ مع النوم في هذه الأحوال بدليل أنه لم يسقط، وبقاء الاستمساك يؤمنه من خروج شيء منه، فهو كالقاعد بخلاف المضطجع".
(١) أخرجه البخاري (١١٧)، ومسلم (٢٤١٠)، عن ابن عباس، قال: بتُّ في بيت خالتي ميمونة بنت الحارث زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - عندها في ليلتها، فصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء، ثم جاء إلى منزله، فصلى أربع ركعات، ثم نام، ثم قام، ثم قال: "نام الغليم"، أو كلمة تشبهها، ثم قام، فقمت عن يساره، فجعلني عن يمينه، فصلى خمس ركعات، ثم صلى ركعتين، ثم نام، حتى سمعت غطيطه أو خطيطه، ثم خرج إلى الصلاة.
(٢) أخرجه البخاري (٢١٢)، ومسلم (٧٨٦).
(٣) أخرجه أبو داود (٢٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>