للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آثَارٌ ثَابِتَةٌ، وَهَاهُنَا أَيْضًا أَحَادِيثُ يُوجِبُ ظَاهِرُهَا أَنَّ النَّوْمَ حَدَثٌ، وَأَبْيَنُهَا فِي ذَلِكَ حَدِيثُ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: "كنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَمَرَنَا أَلَّا نَنْزِعَ خِفَافَنَا مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ، وَلَا نَنْزِعَهَا إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ"، فَسَوَّى بَيْنَ البَوْلِ وَالغَائِطِ وَالنَّوْمِ، صَحَّحَةُ التِّرْمِذِيُّ (١)، وَفِيهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ المُتَقَدِّمُ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ" (٢)، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ النَّوْمَ يُوجِبُ الوُضُوءَ؛ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ، وَكَذَلِكَ يَدُلُّ ظَاهِرُ آيةِ الوُضُوءِ عِنْدَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ المَعْنَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: ٦]، أَيْ: إِذَا قُمْتُمْ مِنَ النَّوْمِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَغَيْرِهِ مِنَ السَّلَفِ (٣)، فَلَمَّا تَعَارَضَتْ ظَوَاهِرُ هَذِهِ الآثَارِ، ذَهَبَ العُلَمَاءُ فِيهَا مَذْهَبَيْنِ: مَذْهَبَ التَّرْجِيحِ، وَمَذْهَبَ الجَمْعِ؛ فَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ التَّرْجِيحِ؛ إِمَّا أَسْقَطَ وُجُوبَ الوُضُوءِ مِنَ النَّوْمِ أَصْلًا عَلَى ظَاهِرِ الأَحَادِيثِ الَّتِي تُسْقِطُهُ، وَإِمَّا أَوْجَبَهُ مِنْ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ عَلَى ظَاهِرِ الأَحَادِيثِ الَّتِي تُسْقِطُهُ أَيْضًا (أَعْنِي: عَلَى حَسَبِ مَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ مِنَ الأَحَادِيثِ المُوجِبَةِ، أَوْ مِنَ الأَحَادِيثِ المُسْقِطَةِ)، وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الجَمْعِ، حَمَلَ الأَحَادِيثَ المُوجِبَةَ لِلْوُضُوءِ مِنْهُ عَلَى الكَثِيرِ، وَالمُسْقِطَةَ لِلْوُضُوءِ عَلَى القَلِيلِ، وَهُوَ - كمَا قُلْنَا - مَذْهَبُ الجُمْهُورِ، وَالجَمْعُ أَوْلَى مِنَ التَّرْجِيحِ مَا أَمْكَنَ الجَمْعُ عِنْدَ أَكْثَرِ الأُصُولِيِّينَ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّمَا حَمَلَهَا عَلَى أَنَّ المُسْتَثْنَى مِنْ هَيْئَاتِ النَّائِمِ الجُلُوسُ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ ذَلِكَ عَنِ الصَّحَابَةِ


(١) أخرجه الترمذي (٩٦)، وفال: "هذا حديث حسن صحيح".
(٢) سبق تخريجه.
(٣) أخرجه الطبري في "تفسيره" (١٠/ ١٢)، عَنْ زيد بن أسلم قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ}، قال: "يعني: إذا قمتم من النوم".

<<  <  ج: ص:  >  >>