إذًا، هذه أُمُورٌ لا تخفى على أبي بكرٍ، والرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- عندما فَعَل ذلك، فعله لمصلحةٍ، وعندما ترك ذلك، تركه لمصلحة، والرسول عندما فعل ذلك كان المؤمنون في حالة ضعف، أما في عهد أبي بكرٍ -رضي اللَّه عنه-، فإننا نجد أنه بالنسبة للمعتدين عهد إلى خالد بن الوليد أن يستخدم التحريق لوجود مصلحةٍ، فالإمَامُ ينظر إلى المصلحة.
أمَّا لو قُدِّر -وهذا بعيدٌ جدًّا- أن يخالفَ صحابيٌّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ومعه الصحابة، والصحابة لا تأخذهم في الحق لومة لائم، فَيَقف أحدهم أمام أي إنسان، فيبين له الحق، ويوضحه له، ولم يعرف أن أحدًا خالف أبا بكر في ذلك الذي حصل، فعندما ارتدَّ الكثيرُ في عهد أبي بكرٍ، وادعى بعضهم النبوة كمسيلمة، وكذلك هناك مَنْ منع الزكاة، ووقف أَبو بكرٍ وقفته المشهورة، أبو بكرٍ الذي عُرِفَ بالرحمة، والذي عُرِفَ بالعقل، وعمر عُرف بشدته وقوته، وكان موقفه في أول الأمر أضعف من أبي بكر، فلما رأى إصرار أبي بكر وقوته وشكيمته وعزمه على قتال مانعي الزكاة، أدرك أن اللَّه قد فتح قلب أبي بكر، وأن الحق معه.
فأبو بَكْرٍ أعلم الناس بسُنَّة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو أقرب الناس إلى قلب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو أقرب الناس بعد رسول اللَّه إلى قلوب المؤمنين، فهو يعرف مثل ذلك الأمر، ولو قُدِّر أن أبا بكرٍ توقف في أمرٍ، فإن اللَّه تعالى يقول:{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}[الشورى: ٣٨]، وقَدْ كان محمد بن عبد اللَّه الذي لا ينطق عن الهوى، والذي ينزل عليه القرآن، يستشير أصحابه؛ ليجعل ذلك نبراسًا ومذهبًا يمشون عليه، فكيف بغيرهم؟!
وَهَذا أبو بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه- عندما جاءت جدة تسأله عن حقها في الميراث،