للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومع معرفتهم بذلك؛ إلا أنهم قالوا كما حكى اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عنهم: {لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف: ٣١].

وعليه: فقد كان الذي منعهم من الإيمان به: إنما هو الكبر، والتعالي، والغرور.

ولا ننسى أيضًا شياطين الجن والإنس: فقد كان لهم دور في صدِّهم عن اتباع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ كما قال اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عنهم: {يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ} [سبأ: ٣١].

ومع ذلك: فقد كان بعضهم يتحيَّن (١) الفرص؛ فيستمع إلى قراءة القرآن الكريم.

فنحن نعلم أن أبا بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- وهو ممن عُرف بحسن صوته؛ كان يقرأ القرآن لما كان بمكة، وكان كفار مكة قد تعاهدوا على عدم الاستماع للقرآن، ومع ذلك كان يخون بعضهم بعضًا؛ ويأتون لسماعه من أبي بكر -رضي اللَّه عنه- (٢).

وذلك لأن القرآن كان قد استولى على قلوبهم، وأخذ بمجامع ألسنتهم (٣)، ولكنه العناد، والكبر، والغرور ما حال بين بعضهم وبين الإيمان!.


(١) "يتحين": يُنظر وقت غفلته. انظر: "الزاهر في معاني كلمات الناس" لابن الأنباري (١/ ٤٥٥).
(٢) جاء في هذا المعنى حديث أخرجه البخاري (٤٧٦) عن عائشة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قالت: "لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، طرفي النهار: بكرة وعشية، ثم بدا لأبي بكر، فابتنى مسجدًا بفناء داره، فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن، فيقف عليه نساء المشركين وأبناؤهم، يعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلًا بكاء، لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين".
(٣) يُنظر: "القاموس المحيط" للفيروزآبادي (ص ٧١٠)، حيث قال: "وجماع الشيء: جمعه، يُقال: جماع الخباء الأخبية؛ أي: جمعها؛ لأن الجماع: ما جمع عددًا، وفي الحديث: "أوتيت جوامع الكلم"؛ أي: القرآن، وكان يتكلم بجوامع الكلم، أي: كان كثير المعاني، قليل الألفاظ".

<<  <  ج: ص:  >  >>