الموضع الثالث: وقال الله سُبْحانه وتعالى {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد:٧].
فالله سُبْحانه وتعالى ينصر المؤمنين - لا محالة -؛ إذا صدقوا مع الله عزَّ وجلَّ.
أما إذا تخاذلوا، وانشغلوا بالملذات، وانصرفوا إلى ما حرم الله سُبْحانه وتعالى: فإن الله تعالى يتخلَّى عنهم في هذه الحالة؛ حتى يعودوا إلى ما يجب أن يكونوا عليه.
وخير مثال على ذلك: الواقعة العظمى - والتي ربما ما وقع بالمسلمين أشنع منها - لما جاء المغول من أقصى الشرق، لا يمرون على أمَّة ولا على بلد إلا جعلوه بمثابة التراب، ثم بعد ذلك أنزلوا بالمؤمنين ما أنزلوا، في عاصمة الإسلام في ذلك الوقت وهي دار السلام بغداد (١).
فلما رجع المسلمون إلى الله سُبْحانه وتعالى، واتَّحدت كلمتهم، وتعاونوا على التقوى، وأصلحوا ما وقعوا فيه: عادت إليهم عزتهم، فنصرهم الله عزَّ وجلَّ على أعدائهم، فأذاقوهم كأس الموت؛ كما أذاقوه للمؤمنين.
وهذا هو شأن الله سُبْحانه وتعالى مع المؤمنين؛ كما قال عزَّ وجلَّ:{إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد:٧].
إذن: فقد تبيَّن بهذا أن العدد الذي ورد بعد التخفيف: هو واحد إلى اثنين.
لكن مع ذلك: ربما يكون عدد المسلمين، أقل من عدد أعدائهم، وينصرهم الله سُبْحانه وتعالى.
وربما أيضًا يكون عدد المسلمين متساويًا مع عدد أعدائهم، ويكون للمشركين أيضًا قوة: ولكن الله سُبْحانه وتعالى جعل لكل ذلك مخرجًا.
وستأتي مسائل نتكلم عنها إن شاء الله ذات علاقه بهذا الموضوع.
(١) وكانت سنة ٦١٧ هـ. وانظر تفاصيلها في: "الكامل في التاريخ" لابن الأثير (١٠/ ٣٣٣).