للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوُضُوءَ مَعَ اللَّذَّةِ، وَلَمْ يُوجِبُوهُ مَعَ عَدَمِهَا، وَكَذَلِكَ أَوْجَبَهُ قَوْمٌ مَعَ المَسِّ بِبَاطِنِ الكَفِّ، وَلَمْ يُوجِبُوهُ مَعَ المَسِّ بِظَاهِرِهَا، وَهَذَانِ الاعْتِبَارَانِ مَرْوِيَّانِ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَكَأَنَّ اعْتِبَارَ بَاطِنِ الكَفِّ رَاجِعٌ إِلَى اعْتِبَارِ سَبَبِ اللَّذَّةِ. وَفَرَّقَ قَوْمٌ فِي ذَلِكَ بَيْنَ العَمْدِ وَالنِّسْيَانِ، فَأَوْجَبُوا الوُضُوءَ مِنْهُ مَعَ العَمْدِ، وَلَمْ يُوجِبُوهُ مَعَ النِّسْيَانِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ (١)، وَهُوَ قَوْلُ دَاوُدَ وَأَصْحَابِهِ) (٢).

القول الثاني: إنَّه إنْ مسه بشهوةٍ، انتقض الوضوء، وإلا فلا.

قَوْله: (وَرَأَى قَوْمٌ أَنَّ الوُضُوءَ مِنْ مَسِّهِ سُنَّةٌ لَا وَاجِبٌ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَهَذَا الَّذِي اسْتَقَرَّ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ عِنْدَ أَهْلِ المَغْرِبِ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَالرِّوَايَةُ عَنْهُ فِيهِ مُضْطَرِبَةٌ).

القَوْلُ الثالثُ: إنَّه إنْ مسَّه بشهوةٍ، انتقض الوضوء، وإلا فلا، وبِهَذَا يحصل الجمع بين حديث بسرة وحديث طلق بن عليٍّ، وإذا أمكن الجمع، وَجَب المصير إليه قبل التَّرجيح والنسخ؛ لأنَّ الجمع فيه إعمال الدليلين، وترجيحُ أحدهما إلغاءٌ للآخر.

قوله: (وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ فِيهِ حَدِيثَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: الحَدِيثُ الوَارِدُ مِنْ طَرِيقِ بُسْرَةَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ، فَلْيَتَوَضَّأْ" (٣)، وَهُوَ أَشْهَرُ الأَحَادِيثِ


(١) يُنظر: "عيون المسائل" للقاضي عبد الوهاب (ص ٧٤): "اختلف عن مالك في مسَّ الذَّكَر، والعمل على أنَّه إن مسَّه بشهوةٍ بباطن الكف، أو ظاهره من فوق ثوب أو تحته، أو بسائر أعضائه، انتقضت طهارته".
(٢) يُنظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (١/ ٢٥٠)؛ حيث قال: "ففرق في ذلك بين العمد والنسيان، وليس هذا حكم الأحداث، وهذا قول الليث بن سعد، وداود بن علي؛ لأن الحديث ورد فيمن مسَّ ذَكَره أو مس فرجه، ولا يكون ماشًا إلا من قصد إلى اللمس؛ لأن الفاعل حقيقة هو مَنْ قصد إلى الفعل أراده".
(٣) أخرجه أبو داود (١٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>