للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (وَالحَدِيثُ الثَّانِي المُعَارِضُ لَهُ حَدِيثُ طَلْقِ بْنِ عَلِيِّ قَالَ: " قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْدَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تَرَى فِي مَسِّ الرَّجُلِ ذَكَرَهُ بَعْدَ أَنْ يَتَوَضَّأَ؟ فَقَالَ: وَهَلْ هُوَ إِلَّا بَضْعَةٌ مِنْكَ؟ "، خَرَّجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ (١)، وَصَحَّحَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ (الكُوفِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ)، فَذَهَبَ العُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الأَحَادِيثِ أَحَدَ مَذْهَبَيْنِ: إِمَّا مَذْهَبَ التَّرْجِيحِ أَوِ النَّسْخِ، وَإِمَّا مَذْهَبَ الجَمْعِ، فَمَنْ رَجَّحَ حَدِيثَ بُسْرَةَ، أَوْ رَآه نَاسِخًا لِحَدِيثِ طَلْقِ بْنِ عَلِيِّ، قَالَ بِإِيجَابِ الوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ، وَمَنْ رَجَّحَ حَدِيثَ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ، أَسْقَطَ وُجُوبَ الوُضُوءِ مِنْ مَسِّهِ، وَمَنْ رَامَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الحَدِيثَيْنِ، أَوْجَبَ الوُضُوءَ مِنْهُ فِي حَالٍ، وَلَمْ يُوجِبْهُ فِي حَالٍ، أَوْ حَمَلَ حَدِيثَ بُسْرَةَ عَلَى النَّدْبِ، وَحَدِيثَ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَى الوُجُوبِ. وَالاحْتِجَاجَاتُ الَّتِي يَحْتَجُّ بِهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الفَرِيقَيْنِ فِي تَرْجِيحِ الحَدِيثِ الَّذِي رَجَّحَهُ كَثِيرَةٌ يَطُولُ ذِكْرُهَا، وَهِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كتُبِهِمْ، وَلَكِنَّ نُكْتَةَ اخْتِلَافِهِمْ هُوَ مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ).

القَوْلُ القَائل: إنَّه إنْ مسَّه بشهوةٍ، انتقض الوضوء، وإلا فلا، ويُؤيِّد ذلك قولُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّما هُوَ بضعةٌ منك"، لأنَّك إذا مَسَستَ ذَكَرك بدون تحرك شهوة، صار كأنما تمس سائر أعضائك، وحينئذٍ لا ينتقض الوضوء، وإذا مَسَسته لشهوةٍ، فإنَّه ينتقض؛ لأن العلَّة موجودةٌ، وهي احتمال خروج شيءٍ ناقض من غير شعورٍ منك، فإذا مسه لشهوةٍ، وَجَب الوضوء، ولغير شهوةٍ لا يجب الوضوء، ولأن مسَّه على هذا الوجه يُخَالف مس بقية الأعضاء.

قالوا: لنا عليكم أصلٌ، وهو أنكم قلتم: إن مس المرأة لغير شهوةٍ لا ينقض، ومَسها لشهوةٍ ينقض؛ لأنه مظنة الحدث.

وجمع بعض العلماء بينها بأن الأمرَ بالوضوء في حديث بسرة


(١) أخرجه الترمذي (٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>