للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للاستحباب، والنفي في حديث طلقٍ لنفي الوجوب بدليل أنه سأل عن الوجوب، فقال: "أعليه"، وكلمة: "على" ظاهرة في الوجوب.

وهُنَاكَ قولٌ آخر: أنَّ الوضوءَ من مَسِّ الذَّكَر مستحبٌّ مطلقًا ولو بشَهْوةٍ.

وإذا قلنا: إنه مستحبٌّ، فمعناه أنه مشروعٌ وفيه أجرٌ، واحتياطٌ.

والخلاصة: أن الإنسان إذا مَسَّ ذَكَرَه، استحب له الوضوء مطلقًا، سواء بشهوةٍ أم بغير شهوةٍ، وإذا مسه لشهوةٍ فالقول بالوجوب قوي جدًّا، لكني لا أجزم به، والاحتياط أن يتوضأ.

قوله: (المَسْأَلَةُ الخَامِسَةُ: اخْتَلَفَ الصَّدْرُ الأَوَّلُ فِي إِيجَابِ الوُضُوءِ مِنْ أَكْلِ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ؛ لِاخْتِلَافِ الآثَارِ الوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَاتَّفَقَ جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الأَمْصَارِ بَعْدَ الصَّدْرِ الأَوَّلِ عَلَى سُقُوطِهِ، إِذْ صَحَّ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ عَمَلُ الخُلَفَاءِ الأَرْبَعَةِ (١)، وَلمَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: "كانَ آخِرَ الأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَرْكُ الوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ"، خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ (٢)، وَلَكِنْ ذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الحَدِيثِ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَطَائِفَة غَيْرُهُمْ أَنَّ الوُضُوءَ يَجِبُ فَقَطْ مِنْ أَكْلِ لَحْمِ الجَزُورِ؛ لِثُبُوتِ الحَدِيثِ الوَارِدِ بِذَلِكَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) (٣).


(١) يُنظر: "الأوسط" لابن المنذر (١/ ٣٢٦)؛ حيث قال: "ولا أعلم اليوم بين أهل العلم اختلافًا في ترك الوضوء مما مسَّت النار إلا الوضوء من لحوم الإبل خاصة، وقَدْ ذكرت اختلافهم فيه، وقد احتجَّ بعض مَنْ لا يرى الوضوء مما مسَّت النار بأخبارٍ ثابتةٍ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دالة على ذلك".
(٢) أخرجه أبو داود (١٩٢).
(٣) يُنظر: "الجامع لعلوم الإمام أحمد - الفقه"؛ حيث فيه (٥/ ٢٥٦): "قال إسحاق بن منصور: قال إسحاق: وأمَّا لحمُ الجزورِ فإنَّه يُتوضَّأ منه الوضوء كاملًا على كلِّ حالٍ لما استثنى مِنْ جميعِ ما مسته النارُ، وذلك أنَّ الوضوءَ مِما مستِ النارُ أولًا، ثمَّ =

<<  <  ج: ص:  >  >>