للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْله: "وَطَائِفَةٌ غَيْرُهُمْ أَنَّ الوُضُوءَ يَجبُ فَقَطْ مِنْ أَكْلِ لَحْمِ الجَزُورِ"، يعني: يَنْقض أكلُ اللَّحم خاصَّةً من الجَزور، وهو من مفردَات مذهب أحمد -رحمه الله -.

وقوله: "مِنْ أَكْلِ لَحْمِ"، يشمل النِّيء والمطبوخ؛ لأنه كله يُسمَّى لحمًا، وخرج بقوله: "أكل" ما لو مَضَغه ولم يبلعه، فإنه لا ينتقض وضوؤه؛ لأنه لا يقال لمن مضغ شيئًا ثم لَفَظه: إنه أكله.

واستدلوا على ذلك:

١ - أن هذه الأشياء لا تدخل تحت اسم اللحم بدليل أنك لو أمرتَ أحدًا أن يشتري لك لحمًا، وَاشْتَرى كرشًا؛ لأنكرت عليه، فيكون النقضُ خاصًّا باللحم الذي هو "الهَبْر".

٢ - أنَّ الأصلَ بقاء الطَّهارة، ودخولُ غير "الهبر" دخولٌ احتماليٌّ، واليقينُ لا يزول بالاحتمال.

٣ - أن النقض بلحم الإبل أمرٌ تعبديٌّ لا تُعْرف حكمته، وإذا كان كذلك، فإنه لا يمكن قياس غير الهبر على الهبر؛ لأن من شرط القياس أن يكون الأصل معللًا، إذ القياسُ إلحاقُ فرعِ بأصلٍ في حكم لعلة جامعة، والأمور التعبدية غير معلومة العلة، وَهذا هو المشهور من مذهب أحمد -رحمه الله -.

والصحيح: أنه لا فرق بين الهبر وبقية الأجزاء، والدليل على ذلك:

١ - أن اللحم في لغة الشرع يشمل جميع الأجزاء بدليل قوله تعالى:


= رخص رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بعد ذَلِكَ في كلِّ ما مست النارُ إلا لحم الجزورِ".
وفيه: (٥/ ٢٧٧): قال ابن هانئ: وسئل عن الرجل يأكل لحم الجزور؟ قال: يتوضأ وضوءًا تامًّا. قيل له: إنهم يقولون: الوضوء غسل اليد؟ قال: يتوضأ الوضوء تامًّا، سمعت أبا عبد اللَّه يتوضأ من لحوم الإبل إذا أكل، الوضوء تامًّا. قلت: رجل أكل من لحم الجزور وهو على وضوء؟ قال: يعيد الوضوء، فَإِنْ كان قد صلى، يعيد الوضوء والصلاة جميعًا. "مسائل ابن هانئ " (٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>