{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ}[المائدة: ٣]، فلحم الخنزير يشمل كلَّ ما في جلده، بَلْ حتى الجلد، وإذا جعلنا التحريم في لحم الخنزير -وهو مَنْعٌ- شاملًا جميع الأجزاء، فكذلك نجعل الوضوء من لحم الجزور -وهو أمرٌ- شاملًا جميع الأجزاء، بمعنى أنَّك إذا أكلتَ أيَّ جزءٍ من الإبل، فإنَّه ينتقض وضوؤك.
٢ - أن في الإبل أجزاءً كثيرةً قد تقارب الهبر، ولو كانت غير داخلةٍ لَبيَّن ذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعلمِهِ أن الناس يأكلون الهبر وغيره.
٣ - أنه ليس في شريعة مُحمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - حيوانٌ تتبعَّض أجزاؤه حلًّا وحرمةً، وطهارةً ونجاسةً، وسلبًا وإيجابًا، وإذا كان كذلك، فَلْتَكن أجزاء الإبل كلها واحدةً.
٤ - أن النَّصَّ يتناول بقية الأجزاء بالعموم المعنوي، على فرض أنه لا يتناولها بالعموم اللفظي؛ إذ لا فرقَ بين الهبر، وهذه الأجزاء؛ لأنَّ الكل يتغذَّى بدمٍ واحدٍ، وطعامٍ واحدٍ، وشرابٍ واحدٍ.
٥ - أنه إذا قلنا بوُجُوب الوضوء، وتوضأنا وصلينا، فالصلاة صحيحة قولًا واحدًا، وإن قلنا بعدم الوجوب، وصلينا بعد أكل شيءٍ من هذه الأجزاء بلا وضوءٍ، فالصلاةُ فيها خلافٌ؛ فمن العلماء مَنْ قال بالبطلان، ومنهم مَنْ قال بالصحة، ففيها شبهةٌ.
وقَوْله:"من الجزور"، أي: البعير، وَخَرَج به اللحم من غير الجزور، وإن شارك الجزور في الحكم كالبقرة، فإنها تسمى بدنةً، وتجزئ عنها في الهدي والأضاحي، ومع ذلك فإن لحمها لا ينقض الوضوء، وكذلك اللحم المحرم لا ينقض الوضوء، كما لو اضطر إنسان إلى أكل لحم حمارٍ أو ميتةٍ، فإنه لا ينقض الوضوء، وكذا لو أكل اللحم المحرم لغير ضرورةٍ، فإنه لا ينقض وضوءه؛ لأنَّ الأصل بقاء الطهارة.
وقوله:"الجزور"، ظاهره أنه لا فرق بين القليل والكثير، والمطبوخ والنِّيء، وسواء كانت الجزور كبيرةً أم صغيرةً لا تُجْزئ في الأضحية؛