للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمعنى: أن يُبقِيَ في حيازته شيئًا من الغنيمة خفيةً.

والغلول من جُملَةِ المُحَرَّمات، بل إنه يكون نارًا على صاحبه وعارًا عليه يوم القيامة؛ لأنَّ الغالَّ قد اعتدى على حقٍّ عامٍّ للمسلمين لينفَرِدَ به، ولذا فإن الله عز وجل قال في كتابه الكريم: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: ١٦١]، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد حَذَّرَ من ذلك أيضًا وبَيَّنَ خطورتَه في أحاديث عدة كما سيأتي معنا.

كما أن الغلول يُعَدُّ من القوادح (١) في عدالة فاعله؛ لأنه إنما أخفى ما لا يجوز إخفاؤه، وأخَذَ ما لا يجوز أَخْذهُ بغير حَقٍّ.

* قوله: (لِمَا ثَبَتَ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، مِثْلَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "أَدِّ الخَائِطَ وَالمَخِيطَ" (٢)).

وهذا الحديث فيه ما فيه مِن بلاغة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقوله: "أدُّوا الخيطَ والمخيط" (٣)، إنما هو تعبيرٌ بالغ الدقة؛ لأن هذا الخيطَ الرفيعَ وهذا المخيط اللذين يُتَسامَحُ فيهما عادةً إذا وَجَبَ على الإنسان رَدُّهُما إلى المَغنَم وحَرُمَ عليه أَخْذُهُمَا بغير وجه حقٍّ فإن ما يزيد عنهما يَحْرُمُ أَخْذُهُ ويكون واجبَ الرَّدِّ من باب أَوْلَى.

ولذلك فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أحكام السرقة قال: "لَعَنَ اللَّهُ السارقَ، يَسرِق الحبلَ فتُقطَع يَدُه، وَيسرِق البيضةَ فتُقطَع يَدُه" (٤)، مما يدلُّ على خسة (٥) نفس السارق وحقارتها؛ لأنه قد يذل نفسه من أجل أشياءَ


(١) قدح في عرض أخيه يقدح قدحًا: عابه. وقدح في ساق أخيه: غشه وعمل في شيء يكرهه. انظر: "لسان العرب" لابن منظور (٢/ ٥٥٥).
(٢) أخرجه ابن ماجه (٢٨٥٠)، وصححه الألباني في "الصحيحة" (٩٨٥).
(٣) السابق.
(٤) أخرجه البخاري (٦٧٨٣)، ومسلم (١٦٨٧) عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "لعن الله السارق، يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده" قال الأعمش: "كانوا يرون أنه بيض الحديد، والحبل كانوا يرون أنه منها ما يسوى دراهم".
(٥) "الخسيس": الدنيء. انظر: "الصحاح" للجوهري (٣/ ٩٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>