للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دائمًا يغرس فيهم هذه الأخلاق، كقوله لهم: "أقربُكُم منِّي منزلةً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا" (١)، وكقوله: "الموطؤون أكنافًا (٢)، المتواضعون لله، ومَن تواضع لله رفعه" (٣)، فهذا هو شأن المؤمنين المتصفين بصفات الإسلام، أن يكونوا على مثل هذا التواضع والعطف، فلا يتعالون على الضعفاء والعَجَزَة.

ومعلومٌ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان من عادته أن يبتسم من كلِّ أمرٍ يَعجَبُ منه.

بل إن الله سبحانه وتعالى عَجِبَ من الشاب الذي لا صبوة (٤) له (٥) الذي ينشأ على الاستقامة ولا يحيد عنها ولا يميل إلى المعصية، على الرغم من صِغَرِ سِنِّهِ وما يعتري هذا السِّنَّ من المغرِيات والفِتَن.

وإنما تأتي هذه الاستقامة من ملازَمة الصالحين ومجالس الذِّكر والعِلم، وهكذا كان شأن الصحابة رضوان الله عليهم، وشأن السلف الصالح جملةً أنهم كانوا يحرصون على ملازَمة أبنائهم للصالحين.

ومن أولئك الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، وهو مَن هو في المكانة والمنزلة وسلامة الدِّين، حتى إنه قيل في شأنه: "أبو بكرٍ يوم الردة، وأحمد يوم الفتنة" (٦)، ولُقِّبَ بإمام السُّنَّةِ رحمه الله تعالى، وكان من عادته رحمه الله أنه كان يحرص على ملازَمة أبنائه للصالحين؛ حتى يستفيدوا من صفاتهم ويكتسبوا من أخلاقهم ويتأثروا بسيرتهم.


(١) أخرجه الترمذي (٢٠١٨)، وصححه الألباني في "الصحيحة" (٧٩١).
(٢) أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (١/ ٤٤٣) عن جابر بن عبد الله، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا أخبركم بأكملكم إيمانًا أحاسنكم أخلاقًا، الموطئون أكنافًا، الذين يألفون ويؤلفون".
(٣) أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (٨/ ٤٦) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (٢٣٢٨).
(٤) "الصَّبوة": جهلة الفتوة واللهو. انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري (١٢/ ١٧٩).
(٥) أخرجه أحمد في "مسنده" (١٧٣٧١)، وقال الأرناؤوط: "حسن لغيره".
(٦) يُنظر: "البداية والنهاية" لابن كثير (١٠/ ٣٦٩)، حيث قال: "وقال المزني: أحمد بن حنبل يوم المحنة، وأبو بكر يوم الردة".

<<  <  ج: ص:  >  >>