للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول الأول: أن الغالَّ يُحرَق رَحلُهُ.

هذا لأن الغلول إنما هو خيانة، ولذا فإنه يُحرَق رَحلُ الغالِّ تأديبًا له، ومن المعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تكلَّم في حق المتخلفين عن صلاة الجماعة وأنه هَمَّ أن يُحَرِّقَ عليهم بيوتهم، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ فِتْيَانِي فَيَجْمَعُوا حَطَبًا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا يَؤُمُّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفُ إِلَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُون عَنِ الصَّلَاةِ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ" (١)، والغالُّ إنما هو من المعتدين؛ لأنه أخذ ما هو حقٌّ له ولغيره، ولذا فإنه هاهنا لا يُقطَعُ بحد السرقة لوجود الشبهة، ولكنه لا يُقَرُّ على فِعِلِه.

القول الثاني: أنه لا يُعاقَب إلا بالتعزير الذي يراه الإمام في حقِّه.

ومن المعلوم أن الله سبحانه وتعالى قد فَرَضَ حدودًا يجب ألا تُتجَاوَزَ، وكذلك وضعَ التعزير كعقوبةٍ متروكةٍ إلى اجتهاد الإمام، بحيث يجتهد فيها ولا يصل بها إلى الحدِّ، كعقوبة الإفساد في الأرض، والتي قال الله سبحانه وتعالى فيها: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٣٣)} [المائدة: ٣٣].

ولا شكَّ أن الجرائم قد كثرَت وتنوَّعَت في زماننا هذا، بل ظَهَرَ منها ما لم يكن موجودًا في الزمان الأول، كالمخدِّرات مثلًا، فيُرجَعُ في هذا كلِّه إلى القاعدة العامة في كلِّ مسكرٍ، وأن كلَّ ما أسكَرَ كثيره فقليله حرامٌ (٢)؛ هذا لأن من شأن هذه المخدِّرات أن تُضيِّع العقول والأنفُسَ


(١) أخرجه البخاري (٦٤٤)، ومسلم (٦٥١/ ٢٥٣) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لقد هممت أن آمر فتياني أن يستعدوا لى بحزم من حطب، ثم آمر رجلًا يصلي بالناس، ثم تحرق بيوت على من فيها".
(٢) يُنظر: "مراتب الإجماع" لابن حزم (ص ١٣٦)، حيث قال: "اتففوا أن عصير العنب الذي لم يطبخ إذا غُلي وقدف بالزبد وأسكر أن كثيره وقليله والنقطة منه حرام على غير المضطر والمتداوي من علة ظاهرة وأن شاربه وهو يعلمه فاسق وأن مستحله كافر". =

<<  <  ج: ص:  >  >>