الأمر الآخر: أنه في المرة الأُولى كان الجيش ردءًا لهم يحفظهم ويحميهم، بحيث يمكنه أن ينضم إليهم ويدافع عنهم إذا أحاط بهم العدوّ، بينما في المرة الثانية فإن الجيش يكون قد انصرفَ وبقيت السرية منفردةً أمام عدوها، ولذلك خُصُّوا في هذه الحالة بمزيدٍ من العطية والنفل، وهذا القول تشهد له عدَّةُ أدلة، منها حديث حبيب بن مسلمة الذي ذكرناه.
والمراد من كلام المؤلف هاهنا: هو اختلاف العلماء فيما إذا كانت هاتان الآيتان متعارضتين فيما بينهما، أم أنهما على التخيير، فهناك من العلماء مَن يرى أن قوله تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ}[الأنفال: ٤١]، إنما هو ناسح لقوله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ}[الأنفال: ١](١)، لكن الظاهر هو عدم النسخ وعدم التعارض، ومن أخَذَ بما ذكرناه من الثفصيل الذي عليه الحنابلة وكثيرٌ من أهل الحديث لا يجد في الآيتين شبهة تعارضٍ تستلزم القول بنسخ إحداهما للأُخرى.
والمراد هاهنا: هو قول الإمام مالكٍ بأن النفل يخرج من الخُمُسِ، وقول الإمام الشافعي بأنه يخرج من خُمُس الخُمُس، وتحديدًا من الجزء الخاص بالإمام دون غيره من نصيب بقية أصحاب الخُمُس.
(١) يُنظر: "الناسخ والمنسوخ" للمقري (ص ٩٣)، حيث قال: "قال الله تعالى: {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ}، وإنما سألوه أن ينفلهم الغنيمة وذلك أن رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) لما رأى ضعفهم وقلة عدتهم يوم بدر فقال مرغبًا لهم ومحرضًا: "من قتل قتيلًا فله سلبه ومن أسر أسيرًا فله فداؤه" فلما وضعت الحرب أوزارها نظر في الغنيمة، فإذا هي أقل من العدد فنزلت هذه الآية ثم صارت منسوخة بقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} الآية".