للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (١١)} [الأنفال: ٩ - ١١].

ففي يوم بدرٍ انتصَرَ المسلمون حينما فَرَّقَ الله بين الحق والباطل، وبين الشرك والإيمان، وبين أوليائه وأعدائه، يوم أن كان المسلمون يستغيثون ربهم ويعلمون حق العلم أنهم على ضعف وليس ينصرهم ويقويهم إلا أن ينصرهم الله سبحانه وتعالى، أما يوم حنين حينما أعجب المسلمون بقوتهم ومنعتهم أراد الله سبحانه وتعالى أن يوقظهم من هذا وأن يُعلِمَهُم أن النصر لا يتأتَّى بغير عَون الله ومعيته، مهما بلغ عدد المسلمين ومهما اشتدَّت قوتهم.

وعندما تألب (١) المشركون وغيرهم على المسلمين يوم الأحزاب نصرهم الله سبحانه وتعالى، حيث قال: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (١٠) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (١١)}، فهنا أرسل الله سبحانه وتعالى جندًا من جنوده على أعدائه، وهي الريح الشديدة التي كَفَأَتْ قُدُورَهُمْ.

أما يوم حنين، فإن المسلمين لمَّا اشتدَّت قوتهم وقويَت شوكتهم وكثر الدخول في الإسلام، وبعد أن خانت قريشٌ عهدها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونقضَتْه، فحينئذٍ خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة وفتَحَها، وسيأتي ذِكرُ خلاف أهل العلم فيما إذا كانت فُتحَت عَنوةً أم فُتِحَت صلحًا، وأن الصحيح أنها فُتِحَت عَنوةً بالقهر والغلبة (٢)، وبعد فتح مكة الذي كان في السنة الثامنة من الهجرة عَلِمَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن هوازن تعد العدة لحرب المسلمين، وأنها قد جمعَت إلى جانبها عددًا من القبائل كقبيلة ثقيفٍ وغيرها، وخرجوا برجالهم ونسائهم وأطفالهم للقاء المسلمين، فحينئذٍ خرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -


(١) تألَّبوا: تجمَّعوا. انظر: "الصحاح" للجوهري (١/ ٨٨).
(٢) الفرق بين القهر والغلبة: أن الغلبة تكون بفضل القُدرة وبفضل العلم يقال: قاتله فغلبه وصارعه، وذلك لفضل قُدرته. ولا يكون القهر إلا بفضل القُدرة ألا ترى أنك تقول: ناوأه فقهره، ولا تقول: حاجه فقهره، ولا تقول: قهروة بفضل علمه كما تقول: غلبه بفضل علمه. انظر: "الفروق اللغوية" للعسكري (ص ١٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>