للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بجيش المسلمين الذي كان قد يبلغ يومئذٍ اثني عشر ألف مقاتلٍ، وانطلقوا إلى حنين التي تقع بين مكة والطائف، وكان المشركون قد تجمعوا في مكانٍ هناك وكمنوا للمسلمين، فما أن انحدر المسلمون إلا وقد انهال عليهم أعداؤهم وضربوهم عن قوسٍ واحدةٍ (١)، فانهزم المسلمون حينئذٍ، ونزل قول الله سبحانه وتعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ}.

لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جَمَعَ إلى جواره جمعًا من الصحابة - منهم: أبو بكر وعمر والعباس وأبو سفيان بن الحارث - رضي الله عنهم - جميعًا - ووقف على بغلته البيضاء، وأخذ ينادي في الناس: "يا عباد الله، إني رسول الله"، وطَلَبَ كذلك من عمِّه العباس - رضي الله عنه - أن ينادي في الناس - وكان جهير الصوت - فنادى فيهم قائلًا: "يا أصحاب الشجرة" (٢)، في إشارةٍ منه إلى قصة الشجرة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في قوله: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} لأنهم كانوا قد بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة ألَّا يفروا، فلما سمع المسلمون هذه النداءات عادوا وانقضوا على أعدائهم، وحينئذٍ كان النصر حليف المسلمين في نهاية الأمر.


(١) ضربوهم عن قوس واحدة: مثل في الاتفاق. انظر: "المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (ص ٣٩٦).
(٢) أخرجه مسلم (١٧٧٥/ ٧٦) عن عباس بن عبد المطلب قال: شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم نفارقه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي، فلما التقى المسلمون والكفار ولَّى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركض بغلته قبل الكفار، قال عباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكفها إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أي عباس، نادِ أصحاب السمرة"، فقال عباس: وكان رجلًا صيتًا، فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة؟ قال: فوالله، لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها فقالوا: يا لبيك، يا لبيك، قال: فاقتتلوا والكفار، والدعوة في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار، … الحديث".

<<  <  ج: ص:  >  >>