للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأبو حنيفة رَحِمَهُ اللهُ ذَهَبَ إلى أنهم ليس لهم حرمةٌ؛ وهذا لأن أبا حنيفة رَحِمَهُ اللهُ إنما يرى أن ما أخَذَه معه في هجرته من مالٍ أو متاعٍ أو زوجةٍ أو ولدٍ هذا هو الذي يُعامَل معامَلَتَهُ ويكون ذا حُرمةٍ، أما الذي تركه في دار الحرب فإنه تنتفي حُرمتُه ما دام في دار الكُفر فيُعامَلون حينئذ معامَلة غيرهم؛ لأنهم لم يتبعوه في إسلامه.

وهذا كلُّه إنما يراد به الحربيون، أما أهل الذِّمة فإن لهم أحكامًا يختصُّون بها على خلاف ذلك.

* قوله: (وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ المَالِ وَالزَّوْجَةِ وَالوَلَدِ، فَقَالَ: لَيْسَ لِلْمَالِ حُرْمَةٌ، وَللْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ حُرْمَةٌ).

وهذا القول قول الإمام مالكٍ رَحِمَهُ الله، وسيأتي في مناقَشة المؤلِّفِ للأقوال ما يوضِّحُ أن المؤلِّفَ رَحِمَهُ اللهُ ليس من المتعصبِين لمذهب المالكية، فإنه سينقُضُ رأي المذهب المالكي في هذه المسألة؛ لعدم وجود مُقتَضٍ للتفريق بين الزوجة والولد من ناحيةٍ وبين المال من ناحيةٍ أُخرى.

فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد نَصَّ على عدم التفريق بينهما، في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله" (١)، بما يَدُلُّ على أنَّ مَن دخل في الإسلام ونطق بكلمة التوحيد فإنه بذلك يكون قد عصم ماله ودمه، وهذا ثابت لا يُرْفَع، ولم يَرِدْ فيه ولا في غيره من الأدلة هذا التفريق الذي ذَهَبَ إليه المالكية، ولذا فإنَّ المؤلِّفَ رَحِمَهُ اللهُ قد أَخَذَه عليهم وانتقدهم فيه.

* قوله: (وَهَذَا جَارٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ) (٢).


(١) تقدَّم تخريجه.
(٢) مذهب مالك: لم يجعل للزوجة حرمة بل جعلها غنيمة اتفاقًا، وكذلك الولد إن حملت به أمه قبل إسلام أبيه غنيمة وهذا خلاف قول المصنف.
يُنظر: "الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي" (٢/ ٢٠٠)، حيث قال: " (وولده)، أي: الحربي الذي أسلم وفر إلينا أو بقي حتى غزا المسلمون بلده فغنموه إن حملت=

<<  <  ج: ص:  >  >>