للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي ذَلِكَ (١)، وَإِنْ كانَ الأَصَحُّ أَنَّهُ افْتَتَحَهَا عَنْوَةً، لِأَنَّهُ الَّذِي خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ).

يقصد ما أخرجه مسلم عن عبد الله بن رباح: جعل - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى، وجعل الزبير على المجنبة اليسرى، وجعل أبا عبيدة على الحسر وبطن الوادي، فقال: يا أبا هريرة، ادع لي الأنصار فجاؤوا يهرولون، فقال: يا معشر الأنصار، هل ترون أوباش قريش؟ قالوا: نعم، قال: انظروا إذا لقيتموهم غدًا أن تحصدوهم حصدًا، وأخفى بيده، ووضع يمينه على شماله، وقال: موعدكم الصفا، قال: فما أشرف يومئذٍ لهم أحد إلا أناموه، وصعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصفا، وجاءت الأنصار، فأطافوا بالصفا، فجاء أبو سفيان فقال: يا رسول الله، أبيدت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن دخل دار


(١) مذهب الحنفية، يُنظر: "المبسوط" للسرخسي (٧٣)، حيث قال: "أن تكون أرض مكة أرض خراج؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتحها عَنوةً وقهرًا".
ومذهب المالكية، يُنظر: "النوادر والزيادات" لابن أبي زيد (٣/ ٣٦٠)، حيث قال: "ومكة مما فتح عنوةً، ولم تقسم".
ومذهب الحنابلة، يُنظر: "الروايتين والوجهين" لأبي يعلى الفراء (٢/ ٣٦٣، ٣٦٤)، حيث قال: "اخْتَلفت الرِّواية في مكة، هل فتحت صلحًا أم عنوةً؟ … قال أبو إسحاق: والمسألة على روايتين:
إحداهما: أنها فتحها رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - صلحًا، ومعناه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عقد لهم أمانًا بشرطٍ في غداة يوم الفتح، فوجد الشرط، فَصَاروا به آمنين على دمائهم وأموالهم.
والرواية الثانية: فتحها عنوةً بالسيف، ثم أمنهم بعد حصول الفتح".
أما مذهب الشافعية أنها فتحت صلحًا، يُنظر: "نهاية المحتاج" للرملي (٨/ ٧٨)، حيث قال: " (وفتحت مكة صلحًا) كما دلَّ عليه قوله تعالى: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا}، أي: أهل مكة .. والخبر الصحيح: "مَنْ دخل المسجد فهو آمنٌ، ومن أغلق بابه فهو آمن"، وَاسْتَثْنى أفرادًا أمر بقتلهم يدلُّ على عموم الأمان للباقي، ولم يسلب - صلى الله عليه وسلم - أحدًا، ولا قسم عقارًا، ولا منقولًا، ولو فتحت عنوةً، لَكَان الأمر بخلاف ذلك".

<<  <  ج: ص:  >  >>