للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجه الدلالة: أنَّ الضمير في قوله: "لا يمسه" يعود على القرآن الكريم؛ لأنَّ الآيات سيقت للتحدث عنه بدليل قوله: {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الواقعة] والمنزَّل هو هذا القرآن، والمطهَّرُ: هو الذي أتى بالوضوء والغسل من الجنابة، بدليل قوله: {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: ٦].

فإن قيل: يردُّ على هذا الاستدلال: أنَّ "لا" في قوله: "لا يمسه" نافية، وليست ناهية، لأنَّه قال: "لا يمسه" ولم يقل: "لا يمسه"؟

قيل: إنه قد يأتي الخبر بمعنى الطلب، بل إنَّ الخبر المراد به الطلب أقوى من الطلب المجرَّد، لأنَّه يصوِّر الشيء كأنه مفروغٌ منه، ومنه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: ٢٣٤]، فقوله: "يتربصن" خبر بمعنى الأمر. وفي السنة: "لا يبيع الرجل على بيع أخيه"، بلفظ الخبر، والمراد النهي.

٢ - ما جاء في كتاب عمرو بن حزمٍ الذي كتبه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل اليمن وفيه: " … ألا يمس القرآن إلا طاهر … ".

والطَّاهر: هو المتطهِّر طهارة حسِّيَّة من الحدث بالوضوء أو الغسل، لأنَّ المؤمن طهارتُه معنويةٌ كاملةٌ، والمصحف لا يمسه غالبًا إلا المؤمنون، فلما قال: "إلا طاهرٌ" عُلم أنها طهارة غير الطهارة المعنوية، بل المراد الطهارة من الحدث، ويدل لهذا قوله تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: ٦] أي: طهارة حسية؛ لأنَّه قال ذلك في آية الوضوء والغسل.

٣ - من النظر الصحيح: أنَّه ليس في الوجود كلامٌ أشرف من كلام الله، فإذا أوجب الله الطَّهارة للطَّواف في بيته، فالطهارة لتلاوة كتابه الذي تكلم به من باب أولى، لأنَّنا ننطق بكلام الله خارجًا من أفواهنا، فمماسّتنا لهذا الكلام الذي هو أشرف من البناء يقتضي أن نكون طاهرين؛ كما أنَّ طوافنا حول الكعبة يقتضي أن نكون طاهرين، فتعظيمًا واحترامًا لكتاب الله يجب أن نكون على طهارةٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>