للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (وَأَحَادِيثُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي وُجُوبِ العَمَلِ بِهَا؛ لِأَنَّهَا مُصَحَّفَةٌ، وَرَأَيْتُ ابْنَ المُفَوَّزِ يُصَحِّحُهَا إِذَا رَوَتْهَا الثِّقَاتُ؛ لِأَنَّهَا كِتَابُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَكَذَلِكَ أَحَادِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَأَهْلُ الظَّاهِرِ يَرُدُّونَهَا (١)، وَرَخَّصَ مَالِكٌ لِلصِّبْيَان فِي مَسِّ المُصْحَفِ عَلَى غَيْرِ طُهْرٍ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ).

الظاهرية: لا يحرِّمون على المحدث أنْ يمسَّ المصحف.

واستدلوا: بأنَّ الأصل براءةُ الذمة، فلا نؤثِّم عباد الله بفعل شيءٍ لم يثبت به النص.

وأجابوا عن أدلة الجمهور:

أمَّا الآية فلا دلالة فيها، لأنَّ الضمير في قوله: "لا يمسه" يعود إلى "الكتاب المكنون"، والكتاب المكنون يُحتمل أنَّ المراد به اللوح المحفوظ، ويُحتمل أنَّ المراد به الكتب التي بأيدي الملائكة. فإنَّ الله تعالى قال: {كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (١٦)} [عبس: ١١ - ١٦]، وهذه الآية تفسير لآية الواقعة، فقوله: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣)} كقوله: {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (٧٨)} [الواقعة: ٧٨].

وقوله: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥)} [عبس: ١٥]، كقوله: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)} [الواقعة: ٧٩].

والقرآن يفسِّر بعضه بعضًا، ولو كان المراد ما ذكر الجمهور لقال: "لا يمسه إلا المطهرون" بتشديد الطاء المفتوحة وكسر الهاء المشددة، يعني: المتطهرين" وفرق بين "المطهر" اسم مفعول، وبين "المتطهر" اسم فاعل، كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (٢٢٢)} [البقرة: ٢٢٢].


(١) يُنظر: "المحلَّى" لابن حزمٍ (٤/ ٣٨)، حيث قال: "أما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: فصحيفةٌ لا تصح".

<<  <  ج: ص:  >  >>