وقولهم: إنَّ الخبر يأتي بمعنى الطلب، هذا صحيح لكن لا يحمل الخبر على الطلب إلا بقرينةٍ، ولا قرينة هنا، فيجب أن يبقى الكلام على ظاهره، وتكون الجملةُ خبريةً، ويكون هذا مؤيدًا لما ذكرناه من أنَّ المراد بـ "المطهرون"، الملائكة كما دلت على ذلك الآيات في سورة "عبس".
وأما قوله: {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٨٠)} [الواقعة: ٨٠]، فهو عائدٌ على القرآن، لأنَّ الكلام فيه، ولا مانعَ من تداخل الضمائر، وعودُ بعضها إلى غير المتحدث عنه، ما دامت القرينة موجودة.
ثم على احتمال تساوي الأمرين فالقاعدة عند العلماء إنه إذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال. فيسقط الاستدلال بهذه الآية، فنرجع إلى براءة الذمة … وأما بالنسبة لحديث عمرو بن حزم: فهو ضعيف، لأنَّه مرسل، والمرسل من أقسام الضعيف، والضَّعيف لا يُحتج به في إثبات الأحكام؛ فضلًا عن إثبات حُكمٍ يُلحق بالمسلمين المشقة العظيمةَ في تكليف عباد الله ألا يقرؤوا كتابه إلا وهم طاهرون، وخاصة في أيام البرد.
وإذا فرضنا صحته بناءً على شهرته فإنَّ كلمة "طاهر" تحتمل أن يكون طاهر القلب من الشرك، أو طاهر البدن من النجاسة، أو طاهرًا من الحدث الأصغر؛ أو الأكبر، فهذه أربعةُ احتمالاتٍ، والدليل إذا احتمل احتمالين بطل الاستدلال به، فكيف إذا احتمل أربعة؟
وكذا فإنَّ الطاهر يُطلق على المؤمن لقوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}[التوبة: ٢٨]، وهذا فيه إثبات النجاسة للمشرك.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إن المؤمن لا ينجس"، وهذا فيه نفي النجاسة عن المؤمن، ونفي النقيض يستلزمُ ثبوت نقيضه، لأنَّه ليس هناك إلا طهارةٌ أو نجاسةٌ، فلا دلالة فيه على أنَّ من مس المصحف لا يكون إلا من متوضئ.
وأما بالنسبة للنظر: فنحن لا نُقرُّ بالقياس أصلًا، لأنَّ الظاهرية لا يقولون به.
وعندي: أنَّ ردهم للاستدلال بالآية واضحٌ، وأنا أوافقهم على ذلك.