للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- ومِن المجوس، وهؤلاء جاء في بعض الآثار المنسوبة إلى عليٍّ - رضي الله عنه - أن مَلِكَهُم حَصَلَ منه أنه وَقَعَ على ابنته أو أخته، فجاؤوا ليقيموا عليه الحد فأبى، واستعان ببعض رجاله الذين في مملكته، فحصل قتالٌ، وقال: إنه يدين بدين آدم (١). وآدم - كما هو معلومٌ - قد زَوَّجَ أبناءه من بناته، لكن ذلك كان في أول الأمر قبل أن يُحَرَّم، وقد كان ذلك أمرًا متعينًا ومتحتمًا، ثم بعد ذلك رُفِعَ كتابُه؛ ولهذا فالمجوس لهم شبهةٌ في ذلك، وشبهة الكتاب هذه كانت سببًا في أن تؤخذ منهم الجزية.

إذن؛ فمن لهم شبهة كتابٍ هم المجوس، أما من لهم كتاب بلا خلافٍ ولا شبهةٍ هم اليهود الذي أُنزِلت عليهم التوراة، والنصارى الذين أُنزِل عليهم الإنجيل، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أُنزِل الكتاب على طائفتين من قبلي" (٢)، لكنهم حرفوا وبدلوا، ولو لم يكن تحريفهم وتبديلهم لكانوا أسرع الناس استجابةً لدين الإسلام، فكثير منهم يعلمون حقًّا ويقينًا أن الإسلام دين الحق، وأن محمدًا رسولُ الله ونَبِيُّه، وهم - كما قال ربنا -: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة: ١٤٦]، وكانوا يبشرون به، ويهددون الأوس (٣)


= المسيح. وهو الظاهر بجسده، بل هو هو. يُنظر: "الملل والنحل"، للشهرستاني (٢/ ٣٠).
(١) الأثر أخرجه "السنن الكبرى" للبيهقي (٩/ ٣١٧) وفيه: " … فقال علي - رضي الله عنه -: أنا أعلم الناس بالمجوس، كان لهم علم يعلمونه، وكتاب يدرسونه، وإن ملكهم سكر فوقع على ابنته أو أخته، فاطلع عليه بعض أهل مملكته، فلما صحا جاؤوا يقيمون عليه الحد، فامتنع منهم، فدعا أهل مملكته، فلما أتوه قال: تعلمون دينًا خيرًا من دين آدم وقد كان ينكح بنيه من بناته، وأنا على دين آدم، ما يرغب بكم عن دينه؟ قال: فبايعوه وقاتلوا الذين خالفوهم حتى قتلوهم، فأصبحوا وقد أسري على كتابهم فرفع من بين أظهرهم، وذهب العلم الذي في صدورهم، فهم أهل كتاب، وقد أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - منهم الجزية".
(٢) لم أجد من أخرجه.
(٣) الأوس: قبيلة من الأنصار، نسبة إلى أوس بن حارثة بن ثعلبة البُهْلول بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء بن حارثة الغِطريف بن امرئ القيس. يُنظر: "اللباب"، لابن الأثير (١/ ٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>