للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والمسألة هاهنا تدور بين قضيتين معروفتين لدى أهل العلم:

- القضية الأولى: أن الإسلام يَجُبُّ ما قبله (١)، بدليل قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨].

فمذهب الجمهور: يجعل المسألة مندرجةً تحت هذه القضية، كمن كان في الجاهلية - مثلًا - يتعامل بالربا، وقد دَخَلَ شيءٌ من الحرام على ماله، فبإسلامه يُتجاوَز في حقه عما مضى من معاملاتٍ ربويةٍ؛ لأن الإسلام يمحو كل شيءٍ، حتى الجرائم التي فعلها الكافر؛ حيث لا أَعْظَمَ من جريمة الكفر، ولأن الكافر إذا عَلِمَ أنَّ ما ارتَكَبَهُ من سيئاتٍ سيُغفَر له ربما كان في هذا ترغيبًا له في الإسلام، بخلاف ما لو وَجَدَ أن هذه الأُمور سيعاقَب عليها مما قد يكون مانعًا له، فالجمهور عللوا مذهبهم بأن

الإسلام يمحو ما قبله، وأن ما عدا ذلك يلزمه دليله الخاص.

- القضية الثانية: أن هناك حقوقًا لا تسقط بالكفر، فالكافر الذي عليه ديونٌ لآخرين لا يُسقط إسلامُه عنه هذه الديونَ (٢)، وكذلك الحال بالنسبة


= قال العمراني في "البيان في مذهب الإمام الشافعي" (١٢/ ٢٦٠): " … والثاني: يجب عليه من الجزية بقدر ما مَضَى من الحول، وهو الأصح؛ لأنه حق يجب بالمساكنة، فوجب عليه بقدر ما سكن، كما لو أستأجر دارًا ليسكنها سنة، فسكنها بعض السنة وفسخت الإجارة".
(١) جُزء من حديث أخرجه مسلم (١٢١) عن عمرو بن العاص، وفيه: " … أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله ..... " الحديث.
(٢) انظر في مذهب الأحناف: "التجريد"، للقدوري (١٢/ ٦٢٥٣)، وفيه قال: "الديون تستوفى بعد الإسلام على الوجه الذي وجبت عليه، والجزية لا يمكن أن تستوفى على الوجه الذي وجبت حال كفره".
وانظر في مذهب المالكية: "الذخيرة"، للقرافي (٤/ ١٢٠)، وفيه قال: "وإن أسلم مشتريها فعليه دفع الثمن للبائع لأنه دين عليه".
وانظر في مذهب الشافعية: "أسنى المطالب"، لزكريا الأنصاري (٤/ ٢٠٩)، وفيه قال: " (لا كفارةَ يمين وظهار وقتْل) فلا تسقط عنه بإسلامه كالدَّين. (وعليه) بعد إسلامه (رَدُّ مالِ المُسلِم) الذي كان قد استولى عليه وإنْ أحرزه بدار الحرب؛ لأنه لا يملكه بالاستيلاء".=

<<  <  ج: ص:  >  >>