للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: ولمَّا لمِ نجد لهذا الخبر ما يخصِّصه ولا ما يخرجه إلى الندب إلا خبرًا ضعيفَا قلنا بالوجوب، وبإيجاب الوضوء في ذلك يقول عمر بن الخطاب وعطاء وعكرمة وإبراهيم والحسن وابن سيرين.

قوله: (وَذَهَبَ الجُمْهُورُ إِلَى حَمْلِ الأَمْرِ بِذَلِكَ عَلَى النَّدْبِ، وَالعُدُولِ بِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ لِمَكَانِ عَدَمِ مُنَاسَبَةِ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ لِإِرَادَةِ النَّوْمِ (أَعْنِي: المُنَاسَبَةَ الشَّرْعِيَّةَ)، وَقَدِ احْتَجُّوا أَيْضًا لِذَلِكَ بِأَحَادِيثَ، أَثْبَتُهَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ مِنَ الخَلَاءِ، فَأُتِيَ بِطَعَامٍ، فَقَالُوا: أَلَا نَأْتِيكَ بِطُهْرٍ؟ فَقَالَ: أَأُصَلِّي فَأَتَوَضَّاُ؟ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ: فَقِيلَ لَهُ: أَلَا تَتَوَضَّاُ؟ فَقَالَ: مَا أَرَدْتُ الصَّلَاةَ فَأَتَوَضَّأُ" (١)، وَالاسْتِدْلَالُ بِهِ ضَعِيفٌ، فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ مَفْهُومِ الخِطَابِ مِنْ أَضْعَفِ أَنْوَاعِهِ، وَقَدِ احْتَجُّوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ: "أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ لَا يَمَسُّ المَاءَ" (٢) إِلَّا أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ. وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الوُضُوءِ عَلَى الجُنُبِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ، وَعَلَى الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُعَاوِدَ أَهْلَهُ، فَقَالَ الجُمْهُورُ فِي هَذَا كُلَّهِ بِإِسْقَاطِ الوُجُوبِ لِعَدَمِ مُنَاسَبَةِ الطَّهَارَةِ لِهَذِهِ الأَشْيَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ الطَّهَارَةَ إِنَّمَا فُرِضَتْ فِي الشَّرْعِ لِأَحْوَالِ التَّعْظِيمِ كَالصَّلَاةِ، وَأَيْضًا لِمَكَانِ تَعَارُضِ الآثَارِ فِي ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - "أَنَّهُ أَمَرَ الجُنُبَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُعَاوِدَ أَهْلَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ"، وَرُوِيَ عَنْهُ "أَنَّهُ كَانَ يُجَامِعُ ثُمَّ يُعَاوِدُ وَلَا يَتَوَضَّأُ" (٣)،


(١) أخرجه أحمد (٢٥٦٩).
(٢) أخرجه الطَّحاوي في: "شرح معاني الآثار" (٧٥٧).
(٣) أخرجه عبد الرزاق في: "مصنفه" (١٠٦٢): عن أبي عثمان النَّهدي قال: رأيت سلمان بن ربيعة الباهلي أصغى إلى عمر فسأله عن شيء فقلنا: عمَّ سألته؟ فقال: سألته عن الرجل يجامع امرأته، ثم يريد أن يعود، فقال: "يتوضأ".
عن أبي عثمان النهدي قال: رأيت سلمان بن ربيعة الباهلي أصغى إلى عمر فسأله=

<<  <  ج: ص:  >  >>