للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَجِبُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ كُلُّهُ رَاجِعٌ إِلَى الاتِّفَاقِ الوَاقِعِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ المُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الصُّلْحِ إِلَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: إِنَّهُ إِنْ كَانَ قَبُولُ الجِزْبَةِ الصُّلْحِيَّةِ وَاجِبًا عَلَى المُسْلِمِينَ، فَقَدْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَاهُنَا قَدْرٌ مَا إِذَا أَعْطَاهُ مِنْ أَنْفُسِهِمُ الكُفَّار، وَجَبَ عَلَى المُسْلِمِينَ قَبُولُ ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَيَكُونُ أَقَلُّهَا مَحْدُودًا، وَأَكثَرُهَا غَيْرَ مَحْدُودٍ).

- النوع الثاني: الجِزْيَةُ الصُّلْحِيَّةُ: وهذه تؤخذ صُلحًا، بأن يَصطَلِحَ مع المسلمين مِن تلقاء نفسه على أن يُعطِيَهُم الجزيةَ.

ونحن نعلم - مثلًا - أن الجزية لا تجب على امرأةٍ ولا على صبيٍّ ولا على غير مُكلَّفٍ (١)، لكن لو جاءت امرأةٌ وألَحَّتْ أن تَدفَع الجزية، فحينئذٍ تُقبَلُ منها، وتكون بمثابة الهدية؛ لأننا لو أخذناها على أنها جزيةٌ نكون قد أَلزَمْنَاها بِحُكمٍ لَم تُلزِمْها به الشريعة، وهذا معنى أنها (ليس فيها توقيتٌ، لا في الواجب، ولا فيمن يجب عليه، ولا متى يجب عليه) (٢).

فالمؤلف هاهنا يريد أنها تُتْرَكُ إلى اجتهاد الإمام واختياره حسب ما فيه المصلحه، كما هو الحال في كثيرٍ من الأحكام التي تُعطِي الحاكِمَ المُسلِمَ الحقَّ في التَّصرُّف في بعض الأُمور من باب المَصلحة أو المَصالِح المُرسَلة.


(١) سبق.
(٢) يُنظر: "المغني"، لابن قدامة (٩/ ٣٣٩)، وفيه قال: "وإن بذلت المرأة الجزية، أخبرت أنها لا جزية عليها، فإن قالت: فأنا أتبرع بها. أو: أنا أؤديها. قبلت منها، ولم تكن جزية، بل هبة تلزم بالقبض. فإن شرطته على نفسها، ثم رجعت، كان لها ذلك وإن بذلت الجزية لتصير إلى دار الإسلام مكنت من ذلك بغير شيء، ولكن يشترط عليها التزام أحكام الإسلام، وتعقد لها الذمة، ولا يؤخذ منها شيء، إلا أن تتبرع به بعد معرفتها أنه لا شيء عليها. وإن أخذ منها شيء على غير ذلك، رد إليها؛ لأنها بذلته معتقدة أنه عليها، وأن دمها لا يحقن إلا به، فأشبه من أدى مالًا إلى من يعتقد أنه له، فتبين أنه ليس له".

<<  <  ج: ص:  >  >>