للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحَلِفُ بِكُلِّ مُعَظَّم بِالشَّرْعِ (١)، وَالَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ الأَيْمَانَ المُبَاحَةَ هِيَ الأَيْمَانُ باللَّهِ، اتَّفَقوا عَلَى إِبَاحَةِ الأَيْمَانِ الَّتِي بِأَسْمَائِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الأَيْمَانِ الَّتِي بِصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ).

والخلاف الذي أورَدَه المؤلِّفُ في الأيمان بصفات الله وأفعاله إنما هو خلافٌ ضعيفٌ.

قوله: (وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي الحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ مِنَ الأَشْيَاءِ المُعَظَّمَةِ بِالشَّرْعِ مُعَارَضَةُ ظَاهِرِ الكِتَابِ فِي ذَلِكَ لِلْأَثَرِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَقْسَمَ فِي الكِتَابِ بِأَشْيَاءَ كثِيرَةٍ مِثْلَ قَوْلِهِ: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (١)} [الطارق: ١]، وَقَوْلِهِ: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (١)} [النجم: ١]، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأقْسَامِ الوَارِدَةِ فِي القُرْآنِ. وَثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، مَنْ كَانَ حَالِفًا، فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ" (٢)).

وبالفِعل: قد يُشكِل على بعض الناس أن الله سبحانه وتعالى قد أَقْسَمَ بأشياءَ من


(١) وهو مذهب الشافعية، يُنظر: "أسنى المطالب"، لزكريا الأنصاري (٤/ ٢٤٢)؛ حيث قال: "الحلف بالمخلوق لا بسبق لسان مكروه كالنبي والكعبة"، وجبريل والصحابة لخبر "الصحيحين": "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم؛ فمن كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت"، ولخبر: "لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا تحلفوا إلا بالله". رواه النسائي وابن حبان وصححه. قال الإمام: وقول الشافعي: أخشى أن يكون الحلف بغير الله معصية محمول على المبالغة في التنفير من ذلك؛ فلو حلف به لم ينعقد يمينه كما صرح به الأصل (فإن اعتقد تعظيمه بما يعظم الله) بأن اعتقد فيه من التعظيم ما يعتقده في الله تعالى (كفر) وعليه يحمل خبر الحاكم: "من حلف بغير الله فقد كفر"، أما إذا سبق لسانه إليه بلا قصد فلا كراهة، بل هو لغو يمين وعليه يحمل خبر "الصحيحين" في قصة الأعرابي الذي قال: لا أزيد على هذا ولا أنقص: "أفلح وأبيه إن صدق"".
(٢) تقدَّم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>