أنَّ فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - المجرد لا يدل على الوجوب، بل يدل على أنَّه الأفضل، ولا نزاعَ في أنَّ الطواف على طهارة أفضل؛ وإنما النزاع في كون الطهارة شرطًا لصحة الطواف.
وأما حديث عائشة:"افعلي ما يفعل الحاج … " إلى آخره، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في صفية:"أحابستنا هي؟ ". فالحائض إنما منعت من الطواف بالبيت، لأنَّ الحيض سبب لمنعها من المكث في المسجد، والطواف مكث.
وأيضاً: فالحيض حدثٌ أكبر، فلا يستدل بهذا على أنَّ المحدث حدثًا أصغر لا يجوز له الطواف بالبيت، وأنتم توافقون على أنَّ المحدث حدثًا أصغر يجوز له المكث في المسجد، ولا يجوز للحائض أن تمكث، فمناط حكم المنع عندنا هو المكث في المسجد.
وأما حديث:"الطواف بالبيت صلاة" فيجاب عنه:
١ - أنه موقوف على ابن عباس، ولا يصح رفعه للنبي - صلى الله عليه وسلم -.
٢ - أنه منتقض، لأننا إذا أخذنا بلفظه، فإنه على القواعد الأصولية يقتضي أنَّ جميع أحكام الصلاة تثبت للطواف إلا الكلام، لأنَّ من القواعد الأصولية: أن الاستثناء معيار العموم، أي: إذا جاء شيء عام ثم استثني منه، فكل الأفراد يتضمنه العموم، إلا ما استثني، وإذا نظرنا إلى الطواف وجدناه يخالف الصلاة في غالب الأحكام غير الكلام، فهو يجوز فيه الأكل، والشرب، ولا يجب فيه تكبير ولا تسليم، ولا قراءة، ولا يبطل بالفعل ونحوه، وكلامه - صلى الله عليه وسلم - يكون محكمًا لا يمكن أن ينتقض، فلما انتقض بهذه الأمور ووجدنا هذه الاستثناءات علمنا أنَّ هذا لا يصح من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
وهذا أحد الأوجه التي يستدلُّ بها على ضعف الحديث مرفوعًا، وهو أن يكون متخلخلًا، لا يمكن أن يصدر من النبي - صلى الله عليه وسلم -.