للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧)} [المائدة: ٨٧]، ومَن فَعَلَ ذلك فعليه أن يُكَفِّرَ عن يمينه.

والرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أَنكَرَ على أولئك الذين قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَا أَتَزَوَّج، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُصَلِّي وَلَا أَنَام، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَصُومُ وَلَا أُفْطِر، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِر، وَأُصَلِّي وَأَنَام، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي" (١)؛ لأن هذا الدِّين ما جاء بالتشديد على الناس، وإنما هو دين اليُسرِ.

قوله: (وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ: هُوَ الاشْتِرَاكُ الَّذِي فِي اسْمِ اللَّغْوِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّغْوَ قَدْ يَكُونُ الكَلَامَ البَاطِلَ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى: {وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: ٢٦]).

والآية التي ذكرها المؤلف تتحدث عن موقف أهل الكفر من القرآن، قال تعالى حكايةً عنهم: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٢٦)} [فصلت: ٢٦]؛ فإنهم كانوا يريدون ألا يستمعوا إليه، بل إنهم كانوا يضعون أصابعهم في آذانهم حتى لا يؤثر في قلوبهم أو يَنفُذ إليها فيتسبب في إيمانهم، إلى جانب ما كانوا يرجونه من الغلبة في نهاية الأمر، وحاشاهم أن يغلبوا الحق، فقد قال سبحانه: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (٨١)} [الإسراء: ٨١]، ومعلومٌ أن الكفار إنما


(١) أخرجه البخاري (٥٠٦٣)، ومسلم (١٤٠١) عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما أخبروا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قد غفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم، فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".

<<  <  ج: ص:  >  >>