للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَهَرَتْهُمْ (١) بلاغةُ القرآن وفصاحتُه وما فيه من المعاني، وعَلِمُوا في قرارة أنفسهم أن هذا الكلام لا يمكن أن يكون من كلام البشر، حتى قال عنه المغيرة: "والله إنَّ له لحلاوةً، وإنَّ عليه لَطلاوةً، وإنَّ أعلاه لَمُثمِرٌ، وإنَّ أسفله لَمُغدِقٌ، وإنه يَعلُو ولا يُعلَى عليه" (٢)، وهذا حق؛ لأنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وقد تحداهم الله أن يأتوا بمثله فعجزوا، ثم بعشر سُوَرٍ، ثم بسورة، ثم بآية من مثله، فلم يستطيعوا أن يأتوا بشيءٍ من هذا، وعلموا علم اليقين أن هذا كلام الله تعالى وأن هذا الدِّين حقٌّ، لكن كِبرهم وغرورهم قد مَنَعَهُمْ أن يؤمنوا به.

قوله: (وَقَدْ يَكُونُ الكَلَامَ الَّذِي لَا تَنْعَقِدُ عَلَيْهِ نِيَّةُ المُتَكَلِّمِ بِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّغْوَ فِي الآيَةِ هُوَ هَذَا، أَنَّ هَذِهِ اليَمِينَ هِيَ ضِدُّ اليَمِينِ المُنْعَقِدَةِ وَهِيَ المُؤَكَّدَة، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الحُكْمُ المُضَادُّ لِلشَّيْءِ المُضَادِّ، وَالَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ اللَّغْوَ هُوَ الحَلِفُ فِي إِغْلَاقٍ، أَوِ الحَلِفُ عَلَى مَا لَا يُوجِبُ الشَّرْعُ فِيهِ شَيْئًا بِحَسَبِ مَا يَعْتَقِدُ فِي ذَلِكَ قَوْمٌ؛ فَإِنَّمَا ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ اللَّغْوَ هَاهُنَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى عُرْفِيٍّ فِي الشَّرْعِ، وَهِيَ الأَيْمَانُ الَّتِي بَيَّنَ الشَّرْعُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ سُقُوطَ حُكْمِهَا مِثْلَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ: "لَا طَلَاقَ فِي إِغْلَاقٍ" (٣)، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ).

والصحيح في ذلك - كما قلنا - أن لغو اليمين على صورتين:

- الأولى: أن يقول الإنسان في أثناء كلامه: (لا والله)، أو: (بلى والله)، ونحو ذلك مما يَدرُج على لسانه دون عَقْدِ القلب عليه.


(١) البهر: "العجب، وبهرًا له؛ أي: عجبًا". انظر: "تاج العروس"، للزبيدي (١٠/ ٢٦٢).
(٢) أخرجه الحاكم في "المستدرك" (٢/ ٥٥٠) وقال: "صحيح الإسناد على شرط البخاري ولم يخرجاه".
(٣) أخرجه ابن ماجه (٢٠٤٦) عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق". وحسنه الألباني في "إراواء الغليل" (٢٠٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>