للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما كَفَّارَتُهَا تكون بالتوبة إلى الله سبحانه وتعالى، وبإرجاع الحق المغصوب بهذه اليمين إلى أصحابه، والعدول عن هذا الأمر.

قوله: (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ (١): يَجِبُ فِيهَا الكَفَّارَةُ؛ أَيْ: تُسْقِطُ الكَفَّارَةُ الإِثْمَ فِيهَا كَمَا تُسْقِطُهُ فِي غَيْرِ الغَمُوسِ. وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ مُعَارَضَةُ عُمُومِ الكِتَابِ لِلْأَثَرِ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} الآيَةَ [المائدة: ٨٩]، تُوجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي اليَمِينِ الغَمُوسِ كفَارَّةٌ؛ لكَوْنِهَا مِنَ الأَيْمَانِ المُنْعَقِدَةِ. وَقَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ، وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ" (٢)، يُوجِبُ أَنَّ اليَمِينَ الغَمُوسَ لَيْسَ فِيهَا كَفَارَةٌ).

والتعارض الذي أَوْرَدَهُ المؤلف هاهنا تعارضٌ مُتوَهَّمٌ ليس بحقيقيٍّ؛ فالجمهور لا يُسَلِّمُ بأن اليمين الغموس يمينٌ منعقدةٌ، وإنما يَرَوْنَهَا يمينًا باطلةً كاذبةً مفتراةً، لا يُعتَدُّ بها، وإنما يعود وِزرُها وإثمها على صاحبها.


(١) يُنظر: "أسنى المطالب"، لزكريا الأنصاري (٤/ ٢٤٠ - ٢٤١)؛ حيث قال: "فإن حلف كاذبًا عالمًا) بالحال (على ماض فهي) اليمين (الغموس) سُمِّيت بذلك؛ لأنها تغمس صاحبها في الإثم أو في النار، وهي من الكبائر كما ورد في البخاري، (وفيها الكفارة)، لقوله تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} الآية؛ ولأنه حلف بالله، وهو مختار كاذب فصار كما لو حلف على مستقبل، والإثم لا يمنع وجوبها، كما في الظهار ويجب فيها التعزير أيضًا. قاله ابن عبد السلام وابن الصلاح؛ فإن كان جاهلًا ففي وجوبها القولان فيمن فعل المحلوف عليه ناسيًا".
(٢) أخرجه أحمد في "مسنده" (٥٧) عن أبي أمامة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من اقتطع حق مسلم بيمينه حرَّم الله عليه الجنة وأوجب له النار" قالوا: وإن كان شيئًا يسيرًا؟ قال: "وإن كان قضيبًا من أراك" يقولها ثلاثًا. وقال الأرناؤوط: "إسناده صحيح على شرط مسلم".

<<  <  ج: ص:  >  >>