للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والرسول - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا ذَكَرَ الكبائرَ ذَكَرَ منها اليمينَ الغموسَ، وأَطْلَقَ ذلك في هذا الدليل وفي أدلة أُخرى أيضًا.

قوله: (وَلَكِنْ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنَ الأَيْمَانِ الغَمُوسِ مَا لَا يُقْتَطَعُ بِهَا حَقُّ الغَيْرِ، وَهُوَ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ).

وهذا التفصيل الذي يَسُوقُه المؤلف لِيُقَوِّيَ به قول الشافعية في المسألة إنما هو تفصيلٌ ضعيفٌ، وقول الجمهور أرسخ في هذا الباب، والأدلة تشهد له وتغنينا عن هذا التفصيل؛ فالنص الذي يُورِدُهُ المؤلف هاهنا لا يتعدى أن يكون مثالًا واحدًا من أمثلة اليمين الغموس، لكنه ليس كل شيء في المسألة، فَعِظَمُ جُرْمِ اليمين الغموس ينبني على ما فيها مِن قَصْدِ الكَذِب؛ فاليمين الغموس تقوم على الكذب والافتراء، بينما الله سبحانه وتعالى يقول: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١)} [القلم: ١٠، ١١]؛ فالحَلَّافُ هنا صيغةُ مُبالَغةٍ؛ أي: لا تُطِعِ الذي يُفرِّطُ في الأيمان ويَكذِبُ فيها.

قوله: (أَوْ يَقُولَ: إِنَّ الأَيْمَانَ الَّتِي يُقْتَطَعُ بِهَا حَقُّ الغَيْرِ قَدْ جَمَعَتِ الظُّلْمَ وَالحِنْثَ، فَوَجَبَ أَلَّا تَكُونَ الكَفَّارَةُ تَهْدِمُ الأَمْرَيْنِ جَمِيعًا، أَوْ لَيْسَ يُمْكِنُ فِيهَا أَنْ تَهْدِمَ الحِنْثَ دُونَ الظُّلْمِ، لِأَنَّ رَفْعَ الحِنْثِ بِالكَفَّارَةِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ التَّوْبَةِ، وَلَيْسَ تَتَبَعَّضُ التَّوْبَةُ فِي الذَّنْبِ الوَاحِدِ بِعَيْنِهِ؛ فَإِنْ تَابَ وَرَدَّ المَظْلَمَةَ وَكَفَّرَ، سَقَطَ عَنْهُ جَمِيعُ الإِثْمِ).

فالذي انتهى إليه المؤلِّف هاهنا أن التوبة النصوح هي التي تَرفَعُ هذا الأمر، مصداقًا لقوله تعالى: {تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} [التحريم: ٨]؛ لأن هذا العمل إنما هو كبيرة من الكبائر، والله سبحانه وتعالى يقول: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: ١١٤].

قوله: (المَسْأَلَةُ الثَّانِيةُ: وَاخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِيمَنْ قَالَ: أَنَا كَافِرٌ بِاللَّهِ، أَوْ مُشْرِكٌ بِاللَّهِ، أَوْ يَهُودِيٌّ، أَوْ نَصْرَانِيٌّ؛ إِنْ فَعَلْتُ كَذَا، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ؛ هَلْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أَمْ لَا؟).

<<  <  ج: ص:  >  >>