للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِكُلِّ مَا لَهُ حُرْمَةٌ أَمْ لَيْسَ يَجُوزُ إِلَّا بِاللَّهِ فَقَطْ؟ ثُمَّ إِنْ وَقَعَتْ فَهَلْ تَنْعَقِدُ أَمْ لَا؟ فَمَنْ رَأَى أَنَّ الأَيْمَانَ المُنْعَقِدَةَ؛ أَعْنِي: الَّتِي هِيَ بِصِيَغِ القَسَمِ إِنَّمَا هِيَ الأَيْمَانُ الوَاقِعَةُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبِأَسْمَائِهِ قَالَ: لَا كَفَّارَةَ فِيهَا إِذْ لَيْسَتْ بِيَمِينٍ. وَمَنْ رَأَى أَنَّ الأَيْمَانَ تَنْعَقِدُ بِكُلِّ مَا عَظَّمَ الشَّرْعُ حُرْمَتَهُ قَالَ: فِيهَا الكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ الحَلِفَ بِالتَّعْظِيمِ كَالحَلِفِ بِتَرْكِ التَّعْظِيمِ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ كمَا يَجِبُ التَّعْظِيمُ يَجِبُ ألَّا يُتْرَكَ التَّعْظِيم، فَكَمَا أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِوُجُوبِ حَقِّ اللَّهِ عَلَيْهِ لَزِمَه، كَذَلِكَ مَنْ حَلَفَ بِتَرْكِ وُجُوبِهِ لَزِمَهُ).

وقد ذَكَرْنَا أنه لا يجوز للحالف أن يَحلِفَ إلا بالله، أما غير الله - سبحانه وتعالى -؛ فلا يجوز لِمُسْلِمٍ أن يَحلِفَ به، حتى وإن كان ذلك مُعظَّمًا كالملائكة أو الكعبة أو الرسل.

والفقهاء يذكرون هذه الأمثلة ويبحثونها لأنها تقع من بعض الناس حقيقةً؛ ولذلك يذكرونها ويبيِّنون خطورتها، وأنه لا ينبغي للمسلم الوقوع فيها، والمؤلف هنا لم يبحثها من الجانب العقدي، وإنما بَحَثَها من الناحية الفقهية؛ من حيث بيانُ ما إذا كان فيها كفارةٌ أم لا.

قوله: (المَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: وَاتَّفَقَ الجُمْهُورُ (١) فِي الأَيْمَانِ الَّتِي


(١) مذهب الحنفية، يُنظر: "بدائع الصنائع"، للكاساني (٣/ ٢١)؛ حيث قال: "اليمين بالقرب فهي أن يقول: إن فعلت كذا فعلي صلاة أو صوم أو حجة أو عمرة أو بدنة أو هدي أو عتق رقبة أو صدقة ونحو ذلك، وقد اختلف في حكم هذه اليمين أنه هل يجب الوفاء بالمُسمَّى بحيث لا يخرج عن عهدته إلا به أو يخرج عنها بالكفارة مع الاتفاق على أنها يمين حقيقة حتى إنه لو حلف لا يحلف؟ فقال: ذلك يحنث بلا خلاف لوجود ركن اليمين، وهو ما ذكره ووجود معنى اليمين أيضًا، وهو القوة على الامتناع من تحصيل الشرط خوفًا من لزوم المذكور، ونذكر حكم هذا النوع - إن شاء الله - في كتاب النذر" لأن هذا التصرف يُسمَّى أيضًا نذرًا معلقًا بالشرط لوجود معنى النذر وهو التزامه القربة عند وجود الشرط".
مذهب المالكية، يُنظر: "الشرح الكبير"، للشيخ الدردير و"حاشية الدسوقي" (٢/ ١٣١)؛ حيث قال: " (و) في (اليمين) بأن قال عليَّ يمين أو لله عليَّ يمين أو إن =

<<  <  ج: ص:  >  >>