للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واليمين لها حروفٌ أصليةٌ معروفةٌ - كما قلنا - كالواو والباء والتاء، وحروفٌ أُخرى تنوب عنها، وبعض هذه الحروف مُستَعمَل أكثر من غيره.

قوله: (فَمَنْ قَالَ: إِنَّهَا يَمِينٌ أَوْجَبَ فِيهَا الكَفَّارَةَ، لِدُخُولِهَا تَحْتَ عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} الآيَةَ [المائدة: ٨٩]، وَمَنْ قَالَ: إِنَّهَا مَنْ جِنْسِ النَّذْرِ؛ أَيْ: مِنْ جِنْسِ الأَشْيَاءِ الَّتِي نَصَّ الشَّرْعُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا الْتَزَمَهَا الإِنْسَانُ لَزِمَتْه، قَالَ: لَا كفَّارَةَ فِيهَا، لَكِنْ يَعْسُرُ هَذَا عَلَى المَالِكِيَّةِ لِتَسميَتِهِمْ إِيَّاهَا أَيْمَانًا، لَكِنْ لَعَلَهُمْ إِنَمَا سَمَّوْهَا أَيْمَانًا عَلَى طَرِيقِ التَّجَوُّزِ وَالتَّوَسُّعِ، وَالحَقُّ أَنَّهُ لَيْسَ يَجِبُ أَنْ تُسَمَّى بِحَسَبِ الدَّلَالَةِ اللُّغَوِيَّةِ أَيْمَانًا؛ فَإِنَّ الأَيْمَانَ فِي لُغَةِ العَرَبِ لَهَا صِيَغٌ مَخْصُوصَةٌ، وَإِنَّمَا يَقَعُ اليَمِينُ بِالأَشْيَاءِ الَّتِي تُعَظَّم، وَلَيْسَتْ صِيغَةُ الشَّرْطِ هِيَ صِيغَةَ اليَمِينِ، فَأَمَّا هَلْ تُسَمَّى أَيْمَانًا بِالعُرْفِ الشَّرْعِيِّ؟ وَهَلْ حُكْمُهَا حُكْمُ الأَيْمَانِ؟ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: "كفَّارَةُ النَّذْرِ كفَّارَةُ يَمِينٍ" (١)، وَقَالَ تَعَالَى: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} إِلَى قَوْلِهِ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحويم: ١، ٢]).

وفي هذا الموقف أيضًا من المؤلف نراه ينقد قول المالكية رغم انتسابه لمذهبهم، وهو الأمر المحمود الذي نَبَّهْنَا إليه سابقًا، وأَشَرْنَا إلى أنه السبيل الذي ينبغي لطالب العلم أن يسلكه سعيًا وراء الدليل واتباعه.

أما قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}، فيعني أن الله قد شَرَعَ لكم كيفية التحلل من أيمانكم بالكفارة.

قوله: (فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ قَدْ سُمِّيَ بِالشَّرْعِ القَوْلُ الَّذِي مَخْرَجُهُ


(١) أخرجه مسلم (١٦٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>