للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَخْرَجَ الشَّرْطِ، أَوْ مَخْرَجَ الإِلْزَامِ دُونَ شَرْطٍ وَلَا يَمِينٍ، فَيَجِبُ أَنْ تُحْمَلَ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ الأَقَاوِيلِ الَّتِي تَجْرِي هَذَا المَجْرَى، إِلَّا مَا خَصَّصَهُ الإِجْمَاعُ مِنْ ذَلِكَ مِثْلَ الطَّلَاقِ، فظَاهِرُ الحَدِيثِ يُعْطِي أَنَّ النَّذْرَ لَيْسَ بِيَمِينٍ، وَأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ اليَمِينِ، وَذَهَبَ دَاوُدُ (١)، وَأَهْلُ الظَّاهِر (٢) إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الأَقَاوِيلِ أَعْنِي الخَارِجَةَ مَخْرَجَ الشَّرْطِ إِلَّا مَا أَلْزَمَهُ الإِجْمَاعُ مِنْ ذَلِكَ، وَذَلكَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنُذُورٍ، فَيَلْزَمُ فِيهَا النَّذْر، وَلَا بِأَيْمَانٍ فَتَرْفَعُهَا الكَفَّارَة، فَلَمْ يُوجِبُوا عَلَى مَنْ قَالَ: إِنْ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَعَلَيَّ المَشْيُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ مَشْيًا، وَلَا كَفَّارَةً، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: عَلَيَّ المَشْيُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ هَذَا نَذْرٌ بِاتِّفَاقٍ، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْه، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ" (٣)؛ فَسَبَبُ هَذَا الخِلَافِ فِي هَذِهِ الأَقَاوِيلِ الَّتِي تَخْرُجُ مَخْرَجَ الشَّرْطِ هُوَ: هَلْ هِيَ أَيْمَانٌ أَوْ نُذُوزٌ؟ أَوْ لَيْسَتْ أَيْمَانًا وَلَا نُذُورًا؟ فَتَأَمَّلْ هَذَا، فَإِنَّهُ بَيِّنٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى).

قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ": هذا أَمْرٌ. "وَمَنْ نَذَرَ أَنْ


(١) يُنظر: "الاستذكار"، لابن عبد البر (٥/ ١٨٢)؛ حيث قال: "وذكر داود في الحالف بالمشي إلى مكة وبصدقة ماله: أنه لا شيء عليه من كفارة ولا غيرها".
(٢) يُنظر: "المحلى"، لابن حزم (٩/ ٤٧٦)؛ حيث قال: "واليمين بالطلاق لا يلزم - سواء بر أو حنث - لا يقع به طلاق، ولا طلاق إلا كما أمر الله - صلى الله عليه وسلم - عز وجل، ولا يمين إلا كما أمر الله عز وجل على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - -. برهان ذلك: قول الله عز وجل: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: ٨٩] وجميع المخالفين لنا هاهنا لا يختلفون في أن اليمين بالطلاق، والعتاق والمشي إلى مكة، وصدقة المال فإنه لا كفارة عندهم في حنثه في شيء منه إلا بالوفاء بالفعل، أو الوفاء باليمين؛ فصح بذلك يقينًا أنه ليس شيء من ذلك يمينًا؛ إذ لا يمين إلا ما سماه الله تعالى يمينًا".
(٣) أخرجه البخاري (٦٦٩٦) عن عائشة.

<<  <  ج: ص:  >  >>