للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما أقسم أبو بكر - رضي الله عنه - ألا ينفق على مسطح لما خاض في حديث الإفك - وكان من أقاربه - أنزل الله عزَّ وَجلّ قوله: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور: ٢٢]، فإذا أقسم الإنسان على ألا يعمل عملًا من أعمال البر، ثم راجع نفسه وأدرك أن الخير في أن يفعله فليفعله وليُكفر عن يمينه، على النحو الذي أشار الله إليه في قوله: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: ٨٩].

كذلك إذا حلف الإنسان على غيره بفعل أمر من الأُمور فإنه ينبغي على المحلوف عليه أن يَبَرَّ أخاه، كما في حديث الرجل الذي أتى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطلب منه أن يلحقه بالفاتحين، فقال رسول الله: "لا هجرة بعد الفتح"، فقال العباس: أقسم عليك كذا وكذا أن تُبايعه، فوضع الرسول - صلى الله عليه وسلم - يده بيده برًّا بقسم عَمِّه وقال: "لا هجرة" (١).

كذلك مَن حلف على فعل شيء في زمان محدود، كأن يقول: والله لآكلن اليوم كذا وكذا؛ فإن لم يفعله في يومه حَنث، وبعضهم يرى أنه لا بد أن يأكله في الحال (٢).


(١) أخرجه ابن ماجه (٢١١٦). عن صفوان بن عبد الرحمن القرشي قال: "لما كان يوم فتح مكة جاء بأبيه، فقال: يا رسول الله، اجعل لأبي نصيبًا من الهجرة، فقال: "إنه لا هجرة"، فانطلق فدخل على العبَّاس، فقال: قد عرفتني؟ قال: أجل، فخرج العباس في قميص ليس عليه رداء، فقال: يا رسول الله، قد عرفت فلانًا والذي بيننا وبينه، وجاء بأبيه لتبايعه على الهجرة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّه لا هِجرة"، فقال العباس: أقسمتُ عليك، فمَدَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - يده، فمَسَّ يده، فقال: "أبررتُ عَمِّي، ولا هجرةَ"، وضعَّفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه".
(٢) لمذهب الحنفية، يُنظر: "بدائع الصنائع" للكاساني (٤٩٣)، حيث قال: "فإن قال في بعض اليوم: والله لا أكلمك اليوم، فاليَمينُ على باقي اليوم، فإذا غربت الشمس سَقطت اليَمين".
ولمذهب المالكية، يُنظر: "الشرح الكبير" للدردير (٢/ ١٤٢)، حيث قال: " (و) حنث (بسويق أو لبن)، أي: بشربهما (في) حَلفه: (لا آكل) طعامًا في هذا اليوم أو =

<<  <  ج: ص:  >  >>