للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآيتين، كما أن الناظر في أصول الشريعة ومقاصدها يجد أن للناسي والمكره أحكامًا تخصهما، وأنه قد خفف عنهما في كثير من الأحكام، كما قال تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:٢٨٦]، وعليه فإن القول باستثناء الناسي والمكره، والتفريق بينهما وبين العامد أَوْجَه، وهو الأقرب للُبِّ الشريعة وأصولها.

> قوله: (وَأَمَّا المَوْضِعُ الثَّانِي، فَمِثْلَ أَنْ يَحْلِفَ أَلَّا يَفْعَلَ شَيْئًا، فَفَعَلَ بَعْضَه، أَوْ أَنَّهُ يَفْعَلُ شَيْئًا، فَلَمْ يَفْعَل بَعْضَهُ؛ فَعِنْدَ مَالِكٍ (١): إِذَا حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ، فَأَكَلَ بَعْضَه، لَا يَبْرأُ إِلَّا بِأَكْلِهِ كُلِّهِ. وَإِذَا قَالَ: لَا آكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ أَنَّهُ يَحْنثُ إِنْ أَكَلَ بَعْضَه. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ (٢)، وَأَبِي حَنِيفَةَ (٣) أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، حَمْلًا عَلَى الأَخْذِ بِأَكثَرِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الاسْمُ).

يعني: لو حلف إنسان أن لا يفعل شيئًا ففعل بعضه، أو أن يفعل


(١) يُنظر: "الشرح الكبير" للدردير (٢/ ١٤٢). حيث قال: " (و) حنث (بالبعض)؛ فمن حلف لا يأكل رغيفًا فأكل بعضه، ولو لقمة حنث، وهذا في صيغة البر، ولو قيد بالكل، وأما في صيغة الحنث، فلا يَبر بفعل البعض؛ فمن حلف لآكلن هذا الرغيف، وإن لم آكله فأنتِ طالق، فلا يبر بأكل بعضه، وهذا معنى قوله: (عكس البِر)، أي: في صيغة الحنث".
(٢) يُنظر: "نهاية المحتاج " للرملي (٨/ ٢٠٤). حيث قال: " (أو ليأكلن هذه الرُّمَّانة، فإنما يَبر بجميع حَبِّها)، أي: أكله؛ لتعلق اليمين بالكل، ولهذا لو قال: لا آكلها، فترك حَبَّة لم يحنث".
(٣) يُنظر: "حاشية ابن عابدين" (٣/ ٧٣٠). حيث قال: " (قوله: لم يحنث إلا بالكل)، أي: بكلام كل القوم المخاطبين، وأكل كل الرغيف، فلا يحنث بكلام بعضهم، ولا أكل لقمة … والأصل فيما إذا حلف لا يأكل مُعَيَّنًا، فأكل بعضه إن كان يأكله الرجل في مجلس، أو يشربه في شربة، فالحلف على جميعه، ولا يحنث بأكل بعضه؛ لأن المقصود الامتناع عن أكله، وكل ما لا يُطاق أكله في المجلس ولا شربه في شربة يَحنث بأكل بعضه؛ لأن المقصود من اليمين الامتناع عن أصله، لا عن جميعه".

<<  <  ج: ص:  >  >>