للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيئًا ففعل بعضه، كمن حلف على أن يأكل هذا الرغيف فأكل جُزءًا منه، فهل يكون بارًّا بيمينه أو حانثًا؟

اختلف أهل العلم في هذه المسألة؛ فذهب مالك: إلى أنه لو حلف أن يأكل رغيفًا فأكل بعضه فإنه لم يَبر بيمينه، بل يعتبر حانثًا، وعليه كفارة؛ لأنه ما أكل جميع الرغيف، ووافقه أحمد في هذه الصورة (١).

وذهب الشافعية إلى التفصيل؛ فإن حلف أن يأكل هذا الرغيف فأكل بعضه، فإن تناوله أثناء اليوم يعتبر آكلًا له، وكذلك إن لم يأكل أو أكل أكثره فإنه يعتبر آكلًا له؛ لأن العبرة إنما هي بالأكثر، لكن لو أكل بعضه فقط فهم مع الجمهور في هذه الصورة (٢).

قوله: (وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، حَمْلًا عَلَى الأَخْذِ بِأَكْثَرِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ الاسْمُ)، هذا فيه شبه تناقض، لأنه قال: (أكل بعضه، ثم حملًا على الأكثر)، لكن لو قال: (أكل أكثره)، فهذا هو مذهب الشافعية المُحَرَّر المعروف في هذه المسألة.

> قوله: (وَأَمَّا تَفْرِيقُ مَالِكٍ بَيْنَ الفِعْلِ وَالتَّرْكِ، فَلَمْ يَجْرِ فِي ذَلِكَ عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّهُ أَخَذَ فِي التَّرْكِ بِأَقَلِّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الاسْمُ، وَأَخَذَ فِي الفِعْلِ بِجَمِيعِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الاسْم، وَكَأَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى الاحْتِيَاطِ).

هذا الاعتراض من المؤلف إنما يَردُ على مذهب المالكية لا الحنابلة؛ لأنهم لم يوافقوا في تلك الصورة (٣).


(١) يُنظر: "شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (٣/ ١٣٧). حيث قال: " (و) إن حلف اليفعلن شيئًا لم يَبرأ حتى يفعل جميعه)؛ لأن اليمين تناولت فعل الجميع، فلم يبرأ إلا به؛ فمن حلف ليأكلن الرغيف، لم يبرأ حتى يأكله، أو حلف ليَدخُلَنَّ الدار، لم يَبرأ حتى يدخلها بجملته".
(٢) تقدَّم.
(٣) يُنظر: "شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (٣/ ١٣٧). حيث قال: " (و) إن حلف على شيء (لا يفعله … ففعل) الحالف أو المحلوف عليه (بعضه)؛ كمن حلف لا يأكل الرغيف فأكل بعضه (لم يحنث)، نَصَّ عليه فيمن حلف".

<<  <  ج: ص:  >  >>