للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوَّلًا عِنْدَهُ فِي الأَيْمَانِ الَّتِي لَا يُقْضَى عَلَى حَالِفِهَا هُوَ النِّيَّة، فَإِنْ عُدِمَتْ فَقَرِينَةُ الحَالِ، فَإِنْ عُدِمَتْ فَعُرْفُ اللَّفْظِ، فَإِنْ عُدِمَ فَدَلَالَةُ اللُّغَةِ، وَقِيلَ: لَا يُرَاعَى إِلَّا النِّيَّةُ أَوْ ظَاهِرُ اللَّفْظِ اللُّغَوِيِّ فَقَطْ. وَقِيلَ: يُرَاعَى النِّيَّةُ وَبِسَاطُ الحَالِ (١)، وَلَا يُرَاعَى العُرْفُ).

شرع المؤلف رحمه الله في تفصيل مذهب مالك في هذه المسألة، فقوله: (الأيمان التي لا يُقضى على حالفها)، أي: الأيمان التي لا تُطلب منه في مجلس القضاء في حال الخصومة، فإن المعتبر حينئذ نية المستحلِف لا المستحلَف (الحالف)، لأنه من طلب اليمين، فاليمين هنا يرجع فيها إلى نية المستحلف، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "على نِيَّة المُستحلف" (٢)، وفي الحديث الآخر: "يَمِينك على ما يُصدقك به صاحبك" (٣).

إذًا، المالكية والحنابلة (٤) يفرقون بين أن يكون اليمين في مجلس القضاء ويترتب عليه حكم من الأحكام الشرعية، أو أن يكون في غيره، فإن كان في مجلس القضاء فالمعتبر في ذلك إنما هو يمين المستحلِف، وإن كان في غيره فالمعتبر إنما هو نية الحالف؛ لأن القاضي يَطلب منه أن يحلف بالله، وفي هذه الحالة ليس له أن يحلف متأولًا، لأن القاضي إنما يقضي بين الخصمين على نحوٍ مما يَسمع، ومتى ظهر له الحق حَكَمَ به؛ عن طريق الحلف، أو عن طريق الشهادة، أو غير ذلك، ولذا قال


= اللغوي، والمقصد الشرعي … وما مشى عليه من تأخير الشرعي عن اللغوي ضعيف، والراجح تقديمه عليه".
(١) يُنظر: "الشرح الكبير" للدردير (٢/ ١٣٩). حيث قال: "وهو السبب الحامل على اليمين، إذ هو مَظِنَّة النية، فليس هو انتقالًا عن النية، بل هو نية ضمنًا".
(٢) أخرجه مسلم (٢٠ - ١٦٥٣).
(٣) أخرجه مسلم (٢١ - ١٦٥٣) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يمينُك على ما يُصَدِّقُك عليه صاحبُك".
(٤) يُنظر: "كشاف القناع " للبهوتي (٥/ ٣١٩ - ٣٢٠). حيث قال: " (فإن كان الحالف ظالمًا كالذي يستحلفه الحاكم على حق عنده لم ينفعه تأويله)، قال في "المبدع": بغير خلاف نعلمه".

<<  <  ج: ص:  >  >>