للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لعلَّ أحدَكم يكون أَلحن في حُجَّته من الآخر فأقضي على نحو مما أسمع، فمَن قضيتُ له مِن حَقِّ أخيه شيئًا، أو من مال أخيه شيئًا، فإنما أقطع له قطعة من النار؛ فإن شاء فليأخذها، وإن شاء فليدعها" (١)، فدل على أن قضاء القاضي لا يُبيح لك أمرًا تعلم أنك لا تستحقه، وذلك أن حكم القاضي مبني على ما ظهر له من أدلة وقرائن.

وأما في غير مجلس القضاء فتعتبر النية، فإذا لم تظهر النية فقرينة الحال، وتُعرف بالرجوع إلى الأسباب، فلو أن إنسانًا حلف على زوجته ألا يدخل هذه الدار، أو ألا يلبس ثوبًا من غزلها، فإنه يُرجع إلى قرائن الأحوال التي حصلت في المقام، فربما تحدد المقصود من هذا اليمين، فإن عُدمت فَعُرْف اللفظ، أي: العرف الذي اصطلح عليه، فلو أن إنسانًا حلف على أمر وأطلقه، فحينئذ نرجع إلى العُرف الذي اصطلح عليه الناس، فما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رأوه سيئًا فهو عند اللّه سيئ، فإن عُدِم فدلالة اللغة، والمالكية على هذا الترتيب، وقد اختلف الحنابلة (٢) فيه، والأقرب على ما ذكره المؤلف.

قوله: (وَقِيلَ: لَا يُرَاعَى إِلَّا النِّيَّةُ، أَوْ ظَاهِرُ اللَّفْظِ اللُّغَوِيِّ فَقَطْ): هذا خلاف في مذهب مالك رحمه الله.

قوله: (وقيل: يراعى النية وبساط الحال، ولا يُرَاعى العُرف): البساط: النشر، ومنه قوله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (١٩)} [نوح: ١٩]، أي: نشرها (٣)، فبساط الحال، أي: نشر الشيء، فينظر إلى ما يكون له علاقة بهذه الحالة.


(١) أخرجه البخاري (٢٦٨٠)، ومسلم (١٧١٣).
(٢) يُنظر: "شرح المنتهى" للبهوتي (٣/ ٤٥٥). حيث قال: "فإن عُدم ذلك، أي: ما تقدّم ذكره من النية والسبب (رجع إلى التعين)؛ لأنه أبلغ من دلالة الاسم على مسماه؛ لنفيه الإبهام". وانظر:، "المغني" لابن قدامة (٩/ ٥٥٦).
(٣) يُنظر: "تفسير ابن كثير" (٨/ ٢٣٤). حيث قال: " {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (١٩)}، أي: بسطها ومهدها، وقَرَّرها، وثَبَّتها بالجبال الراسيات الشُّمِّ الشامخات".

<<  <  ج: ص:  >  >>