للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قوله: (وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ: اخْتِلَافُهُمْ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: ٨٩]، هَلِ المُرَادُ بِذَلِكَ أَكلَةٌ وَاحِدَةٌ، أَوْ قُوتُ اليَوْمِ، وَهُوَ غَدَاءٌ وَعَشَاءٌ؟ فَمَنْ قَالَ: أَكْلَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ: المُدُّ وَسَطٌ فِي الشِّبَعِ. وَمَنْ قَالَ: غَدَاءٌ وَعَشَاءٌ، قَالَ: نِصْفُ صَاعٍ. وَلاخْتِلَافِهِمْ أَيْضًا سَبَبٌ آخَر، وَهُوَ تَرَدُّدُ هَذ الكَفَّارَةِ بَيْنَ كفَّارَةِ الفِطْرِ مُتَعَمِّدًا فِي رَمَضَانَ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ الأَذَى، فَمَنْ شَبَّهَهَا بِكَفَّارَةِ الفِطْرِ قَالَ: مُدٌّ وَاحِدٌ، وَمَنْ شَبَّهَهَا بِكَفَّارَةِ الأَذَى قَالَ: نِصْفُ صَاعٍ).

شرع المؤلف في ذكر أسباب الخلاف في هذه المسألة، وأنه راجع إلى أمرين:

الأول: اختلافهم في تأويل قول الله تعالى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: ٨٩]، والتوسط في الأُمور من سمات هذه الشريعة، ففي حديث معاذ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بعثه إلى اليمن قال: "إنك ستأتي قومًا أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه هو شهادة أن لا إله إلا الله"، ثم قال: "فأخبرهم أن الله فرض عليهم الصدقة تُؤخذ من أغنيائهم، وتُرد إلى فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك فإيَّاك وكرائم (١) أموالهم" (٢)، أي: تجنب أنفس الأموال، وإنما خذ من أوساطها، وقال أيضًا: "خير الأُمور أوسطها" (٣)، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ


(١) كرائم أموالهم: أي: نفائسها التي تتعلق بها نفس مالكها، ويختصها لها، حيث هي جامعة للكمال الممكن في حقها. وواحدتها: كريمة". انظر: "النهاية" لابن الأثير (٤/ ١٧٦).
(٢) أخرجه البخاري (٤٣٤٧)، ومسلم (١٩).
(٣) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" بلاغًا (٣/ ٣٨٧)، عن عمرو بن الحارث قال: بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أمرًا بين أمرين، وخير الأمور أوساطها". قال البيهقي: "هذا مُنقطع". وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (١٢٥٢)، وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (٨/ ٥١٩) عن مطرف، قال: "خيرُ الأُمور أوساطها"، وقال الألباني: "إسناده صحيح موقوف". انظر: "السلسلة الضعيفة" (١٤/ ١١٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>