للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأن الله سبحانه وتعالى رَبَطَ الكفارةَ باليمين لا بالحنث، فقال تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ}، ثم قال بعدها: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: ٨٩]، وقال في الآية الأُخرى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [تحريم: ٢]، ولم يَذكُر الحنثَ في هذا المَقام (١)، فاتفقوا على جواز التكفير قبل وقوع الحنث، إلا أن الشافعية استثنوا من ذلك الصيامَ؛ لأنه من الأعمال البدنية التي لا تدخل في ذلك (٢).

القول الثاني: وهو عدم جواز التكفير قبل الحنث: وإليه ذهب الحنفية (٣)، والمالكية في الرواية الأخرى (٤)؛ حيث استدلوا بالدليل التعليليِّ، فَرَأَوْا أن التكفير قبل الحنث هو تكفيرٌ قبل وجود سببه؛ لأن الحنث عندهم هو سببٌ للتكفير، فإذا وُجِدَ التكفير قبل وقوع الحنث فيكون


= مالك الكفارة بعد الحنث، فإن كفر قبل الحنث أجزأه وكذلك المولي". وانظر: "الإشراف على نكت مسائل الخلاف"، للقاضي عبد الوهاب (٢/ ٨٨٤).
وهو ما عليه المتأخرون، يُنظر: "الشرح الكبير للشيخ الدردير" (٢/ ١٣٣)؛ حيث قال: " (وأجزأت) الكفارة، أي: إخراجها (قبل حنثه ووجبت به)؛ أي: بالحنث، وهو في البر بالفعل، وفي الحنث بعدمه".
(١) هذا الدليل أيضًا هو حجة لمن قال بوجوب التكفير عن اليمين حتى لو برها وقام بها.
قال الماوردي: "فإن برَّ، فلا كفارة عليه، سواء كان برُّه فيها طاعة أو معصية، ذهب بعض إلى وجوب الكفارة عليه بعقد اليمين وإن لم يحنث فيها، وهو قول عائشة والحسن وقتادة؛ تعلقًا بقول الله تعالى {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ}، فعلق الكفارة باليمين دون الحنث. والدليل على فساد هذا القول ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "والله لأغزون قريشًا" فغزاهم ولم يكفِّر. وقوله: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ}؛ يعني: وحنثتم". انظر: "الحاوي الكبير" (١٥/ ٢٦٥ - ٢٦٦).
(٢) سبق.
(٣) يُنظر: "حاشية ابن عابدين على الدر المختار" (٣/ ٧٢٧)؛ حيث قال: " (قوله: ولم يجز التكفير … إلخ)؛ لأن الحنث هو السبب كما مر، فلا يجوز إلا بعد وجوده. وفي "القهستاني": واعلم أنه لو أخَّر كفارة اليمين أثم ولم تسقط بالموت والقتل".
(٤) سبق.

<<  <  ج: ص:  >  >>