للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاءت الكفارةُ أَوَّلًا بما يعني أن يُحَلِّلَ اليمينَ بالكفارة ثم بعدها يأتي الذي هو خيرٌ، مما يشير إلى جواز الأمرين (١).

هكذا أورَدَها المؤلف، أما العلماء فإنهم يستدلون بما وَرَدَ في كتاب الله سبحانه وتعالى من رَبْطِ الكفارة باليمين لا الحنث، مما يعني جواز تَقَدُّم الكفارة على الحنث.

* قوله: (وَالسَّبَبُ الثَّانِي: اخْتِلَافُهُمْ فِي هَلْ يُجْزِي تَقْدِيمُ الحَقِّ الوَاجِبِ قَبْلَ وَقْتِ وُجُوبِهِ؟ لِأَنَّهُ مِنَ الظَّاهِرِ أَنَّ الكَفَّارَةَ إِنَّمَا تَجِبُ بَعْدَ الحِنْثِ، كَالزَّكَاةِ بَعْدَ الحَوْلِ. وَلقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ الكَفَّارَةَ إِنَّمَا تَجِبُ بِإِرَادَةِ الحِنْثِ وَالعَزْمِ عَلَيْهِ، كالحَالِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، فَلَا يَدْخُلُهُ الخِلَافُ مِنْ هَذِهِ الجِهَةِ).

وأما السبب الثاني من أسباب الخلاف في المسألة: فهو اختلاف العلماء في إجزاء تقديم الحق الواجب قبل وقت وجوبه، فمن المعلوم أن ذلك جائز في بعض أحكام الشريعة، كما هو الحال في جواز تقديم زكاة المال (٢)؛ فإن العباس - رضي الله عنه - عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَدَّمَها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلَّا أَنَّهُ كَان فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللَّه، وَأَمَّا العَبَّاسُ فَهِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا" (٣)، أي: أنه قَدَّمَ زكاةَ مالِهِ فَزَكَّاهُ في العام الذي قَبْلَهُ.

فالظاهر أن الزكاة إنما تجب بحَوَلان الحوْل، لكن يجوز تقديمها قبل ذلك (٤).

* قوله: (وَكَانَ سَبَبُ الخِلَافِ مِنْ طَرِيقِ المَعْنَى هُوَ: هَلِ الكَفَّارَةُ


(١) قال القاضي عبد الوهاب: "وجه الجواز قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير". "الإشراف على نكت مسائل الخلاف" (٢/ ٨٨٤).
(٢) سبقت هذه المسألة.
(٣) أخرجه البخاري (١٤٦٨)، ومسلم (٩٨٣) عن أبي هريرة.
(٤) سبقت هذه المسألة.

<<  <  ج: ص:  >  >>