للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالعلماء مُجمِعُون على أنه لا يُوَفِّي بنذر المعصية (١)، لأن فِعلَ المعصية لا يجوز، ولقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (٦٩)} [النساء: ٦٩].

قوله: (وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: تَعَارُضُ ظَوَاهِرِ الآثَارِ فِي هَذَا البَابِ).

هناك عدة أحاديث في هذا الباب، وكل فريقٍ من الفريقين يَستَدِلُّ بما يراه هو الأَوْلَى والأقوى منها.

فمراد المؤلِّفِ من قوله: (الآثار) هي الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمن عادته أنه يُطلِقُ الأثرَ ويريد به الحديثَ، ومن المعروف عند علماء الحديث والمصطَلَحِ أن الحديثَ هو ما كان مرفوعًا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن الأثرَ ما كان موقوفًا على الصحابيِّ، ولكن إطلاق لفظ الأثر على الحديث النبويِّ يجوز؛ لأنه أُثِرَ عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ورُوِيَ عنه (٢).

قوله: (وَذَلِكَ أَنَّهُ رُوِيَ فِي هَذَا البَابِ حَدِيثَان: حَدِيثُ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْه، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ"، فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ النَّذْرُ بِالعِصْيَانِ.

هذا الحديث أخرجه البخاريُّ في الصحيح، وأصحاب السُّنَن (٣)،


(١) سبق ذكر الإجماع.
(٢) يُنظر: "التقريب والتيسير"، للنووي (ص ٣٣)؛ حيث قال: "الموقوف، وهو المروي عن الصحابة قولًا لهم أو فعلًا أو نحوه متصلًا كان أو منقطعًا، ويستعمل في غيرهم مقيدًا، فيقال: وقفه فلان على الزهري ونحوه، وعند فقهاء خراسان تسمية الموقوف بالأثر، والمرفوع بالخبر، وعند المحدثين كله يُسمَّى أثرًا".
(٣) أخرجه أبو داود (٣٢٨٩)، والترمذي (١٥٢٦)، والنسائي (٣٨٠٧)، وابن ماجه (٢١٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>