للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ المَالِكِيَّةِ أَنَّ يَحْتَجُّوا لِمَالِكٍ فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ بِمَا رُوِيَ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَجُلًا قَائِمًا فِي الشَّمْسِ، فَقَالَ: مَا بَالُ هَذَا؟ قَالُوا: نَذَرَ ألا يَتَكَلَّمَ، وَلَا يَسْتَظِلَّ، وَلَا يَجْلِسَ، وَيَصُومَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَجْلِسْ وَلْيُتِمَّ صِيَامَهُ"، قَالُوا: فَأَمَرَهُ أَنْ يُتِمَّ مَا كانَ طَاعَةً لِلَّهِ، ويتْرُكَ مَا كانَ مَعْصِيَةً (١).

وهذا الرجل المذكور في الحديث هو مَن يُعرَف بأبي إسرائيل، وقد حَرَّمَ الكلامَ على نفسه، وهو مما لا يُشرَع، وكذلك حَرَّمَ على نفسه أن يَستظِلَّ أو أن يَجلِسَ، بالرغم من أن الوقوف في الشمس فيه إضرارٌ بصحة الإنسان، وقد أتَت الشريعة المُطَهَّرة بالنهي عن الضرر في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ" (٢)، فلا يجوز إضرار الإنسان نفسَه ولا إضراره بغيره.

وإنما جاء الشرع بالأمر بالتعاون على البِرِّ والتقوى، فقال سبحانه وتعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: ٢]، ولذلك أَنكَرَ عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وَوَجَّهَهُ إلى أن الشريعة لم تأتِ للتشديد على الناس، وأن الله - صلى الله عليه وسلم - لا يكلف عباده فوق طاقتهم، وإنما كما قال سبحانه: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء: ٢٨]، فالعبادات مدارها على السماحة واليُسر ورَفْعِ الحَرَجِ.

فالطاعة التي أمَرَهُ الوسول - صلى الله عليه وسلم - بإتمامها هي الصيام؛ لأن الصيام في الأصل إنما هو عبادةٌ، فأَمَرَهُم - صلى الله عليه وسلم - بإرشاد الرجل إلى إتمام عبادة الصيام لأنها من القُرُبَاتِ والطاعات، بخلاف الامتناع عن الكلام الذي هو في الأصل لا حاجة له ولا فائدة منه، وكذلك ترك الجلوس الاستظلال اللَّذَيْن يعودان بالضرر لا النفع.


(١) تقدَّم تخريجه.
(٢) أخرجه ابن ماجه (٢٣٤٠) عن عبادة بن الصامت: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى أن لا ضرر ولا ضرار". وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (٨٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>