للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (وَلَيْسَ بِالظَّاهِرِ أَنَّ تَرْكَ الكَلَامِ مَعْصِيَةٌ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ نَذْرُ مَرْيَمَ).

فتَرْكُ الكلام ليس معصيةً، ولكنه أمر فيه مَشَقَّةٌ، وهو كذلك مِمَّا يَندَرج تحت إيجاب ما لم يَجِبْ شَرْعًا.

أما نذر مريم ليس كنذر هذا الرجل، وقصة مريَمَ تختلف عن قصته، وهي المذكورة في قوله سبحانه وتعالى: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم: ٢٦].

قوله: (وَكذَلِكَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ القِيَامُ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ إِلَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ جِهَةِ إِتْعَابِ النَّفْسِ، فَإِنْ قِيلَ: فِيهِ مَعْصِيَةٌ، فَبِالقِيَاسِ لَا بِالنَّصِّ).

لا شكَّ أن الله سبحانه وتعالى قد حرَّمَ ما فيه ضررٌ، ولكن هناك من الطيبات ما يمنعه الله سبحانه وتعالى وقتٍ معيَّنٍ لحكمةٍ مَا، كما هو الحال في الصيام الذي يَحرُمُ فيه الطعامُ والشرابُ وجِماعُ الأهل في أوقات النهار، وهي أمورٌ ليست مُحَرَّمةً في نفسها، وإنما حُرِّمَت في هذا الوقت فقط؛ لأن الله سبحانه وتعالى يبتلي عباده ويختبرهم بالطاعات، وليس أنه سبحانه يشق عليهم ويضيقَ؛ فاللّه سبحانه غنيّ عن هذا، كما قال سبحانه وتعالى: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (١٤٧)} [النساء: ١٤٧].

أما أن يُبادِرَ الإنسانُ فيَفرِض على نفسه ما لم يفرضه الله عليه فهذا ليس من الشرع، وإنما قد كَلَّفَ نفسه بما يشق عليها؛ ولذلك أَمَرَ الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - أصحابَه أن يُوَجِّهُوه إلى الكَفِّ عن هذا.

قوله: (فَالأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ مِنَ المُبَاحَاتِ).

فالذي يُفهَم من عموم الأدلة هو أن القيام في الشمسِ بالرغم أن الأصل فيه أنه مِن جُملة المباحات إلا أن هذا الرجل لَمَّا نَذرَهُ بالصورة التي تضر به وتشق عليه فحينئذٍ نَهَى الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - عن هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>