للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثال هذا كذلك: ما كان من الرسول - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا رأى رجلًا قد شَقَّ عليه السَّفَر، فقال: "ما هذا؟ ". قالوا: صائمٌ؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -: "ليس من البر الصيام في السفر" (١).

قوله: (المَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا مِنَ المُبَاحَاتِ).

يجب على الإنسان - في الحقيقة - ألا يُحَرِّمَ على نفسه ما أَحَلَّ اللَّهُ له؛ لأنَّ ما أَحَلَّ اللَّهُ للإنسان إنما هو من جِنس النِّعَم التي تَستَحِقُّ مُقابَلَتَها بالشكر والحمد.

ومن أدلة ذلك: قول الله سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧)} [المائدة: ٨٧].

وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١)} [المؤمنون: ٥١].

قوله: (فَقَالَ مَالِكٌ؛ لَا يَلْزَمُ مَا عَدَا الزَّوْجَةَ. وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ: لَيْسَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: فِي ذَلِكَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ).

فلدينا إِذَنْ ثلاثة أقوالٍ في هذه المسألة:

القول الأول: قول مالكٍ، وهو أن ذلك لا يَلْزَمُ فيما عدا أن يُحَرَّمَ على نَفْسِهِ وَطْءَ زَوْجَتِهِ؛ فعند مالكٍ لا يَلزَمُه شيءٌ من تحريم الطعام والشراب وسائر المباحات على نفسه، وإنما يَلزَمُه فقط ما حَرَّمَهُ على نفسه من وَطْءِ زَوْجَتِهِ (٢).

القول الثاني: قول أهل الظاهر، وهو أن ذلك ليس فيه شيءٌ (٣).


(١) أخرجه البخاري (١٩٤٦)، ومسلم (١١١٥).
(٢) يُنظر: "الشرح الصغير"، للدردير (٢/ ٢٦٢)؛ حيث قال: " (ولا يلزم) النذر (بمباح)؛ نحو: لله علي لآكلن هذا الرغيف أو ليطأن زوجته". وانظر: "الفواكه الدواني"، للنفراوي (١/ ٤١٨).
(٣) يُنظر: "المحلى بالآثار"، لابن حزم (٤/ ٤٢٨)؛ حيث قال: "فإن نذر ما ليس طاعة =

<<  <  ج: ص:  >  >>