للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول الثالث: قول أبي حنيفة (١)، وأحمد (٢)، وهو أن في ذلك كفارة يمينٍ.

قوله: (وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: مُعَارضَةُ مَفْهُومِ النَّظَرِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} [التحريم: ١]: ١]، وَذَلِكَ أَنَّ النَّذْرَ لَيْسَ هُوَ اعْتِقَادَ خِلَافِ الحُكْمِ الشَّرْعِيِّ؛ أَعْنِي: مِنْ تَحْرِيمِ مُحَلَّلٍ، أَوْ تَحْلِيلِ مُحَرَّمٍ).

فالنذر لا يُقصَد به مخالَفة الشريعة؛ ولذلك وَرَدَ النهي عن الوفاء بنذر المعصية لبطلان مخالَفة الشريعة؛ لأن النذر ليس من معناه إباحة مُحرَّمٍ أو تحريم مباحٍ، فإباحة المُحَرَّمَات وتحريم المباحات من كبائر الذنوب، بل هو من الكفر باللّه سبحانه وتعالى.


= ولا معصية كالقعود في دار فلان أو ألا يأكل خبزًا مأدومًا أو ما أشبه هذا لم يلزمه، ولا حكم لهذا إلا استغفار الله تعالى منه؛ لأن إيجاب النذر شريعة، والشرائع لا تلزم إلا بنص ولا نص إلا في نذر الطاعة فقط".
(١) يُنظر: "تبيين الحقائق"، للزيلعي (٣/ ١١٤)؛ حيث قال: "قال رَحِمهُ الله: (ومن حرم ملكه لم يحرم)؛ أي: مَن حرم على نفسه شيئًا مما يملكه بأن يقول مالي عليَّ حرام أو ثوبي أو جاريتي فلانة أو ركوب هذه الدابة لم يصر محرمًا عليه لذاته؛ لأنه قلب المشروع وتغييره ولا قدرة له على ذلك، بل الله تعالى هو المتصرف في ذلك بالتبديل قال رَحِمهُ الله: (وإن استباحه كفَّر)؛ أي: إن أقدم على ما حرمه يلزمه كفارة اليمين؛ لأنه ينعقد به يمينًا فصار حرامًا لغيره".
(٢) يُنظر: "الإقناع"، للحجاوي (٤/ ٣٥٧)؛ حيث قال: "نذر المباح: كقوله: لله عليَّ أن ألبس ثوبي أو أركب دابتي فيخير بين فعله وكفارة يمين: كما لو حلف ليفعلنه فلم يفعل".
وفي مذهب الشافعية خلاف، والمعتمد عدم لزوم الكفارة.
يُنظر: "الإقناع"، للشربيني (٢/ ٦٠٨)؛ حيث قال: "النذر على فعل مباح أو تركه لا ينعقد باتفاق الأصحاب فضلًا عن لزومه، ولكن هل يكون يمينًا تلزمه فيه الكفارة عند المخالفة أو لا اختلف فيه ترجيح الشيخين؛ فالذي رجحاه في "المنهاج" و"المحرر" اللزوم؛ لأنه نذر في غير معصية الله تعالى، والذي رجحاه في "الروضة" و"الشرحين"، وصوَّبه في "المجموع": أنه لا كفارة فيه وهو المعتمد لعدم انعقاده".

<<  <  ج: ص:  >  >>